الكتب في حياتها!

17-08-2018

"أستخدم مصطلح "القراءة" كنوع من التأكيد على أنني أقوم بقراءة كل حرف وسطر من الكتاب بتأنٍ، فأنا لا أطيق القراءة السريعة في الاطلاع على الكتب".

"ش. ك . سميث"

هناك كم هائل من الكتب التي يتحدث فيها كاتبوها عن مسيرتهم مع القراءة والكتابة، وهي في الغالب تتشابه مع السيرة الذاتية في عملية السرد التسلسلي لوصف الحالة القرائية منذ البداية التي عرف فيها كاتبها مصاحبة الكتاب، أو منذ بدأ يعاين الحروف والكلمات في بداية حياته الدراسية، فتكون الخطوات مرتبة على مراحل البداية والذروة والحالة الحالية التي كتب صاحب التجربة فيها عن ما له من سجل الذاكرة أو المدون في الورق أو الحاسوب، وتأتي الكتب التي كانت تجسد تجربة من له باعه الطويل وكعبه العالي في المسار الثقافي كعلامات طريق أو توجيه يفيد المهتم بالشأن الحياتي والثقافي خاصة، سواء من المبتدئين أو الممارسين حين تتشابه وتتقاطع خلاصة التجارب مع بعضها مكونة صورة مشتركة بين الكاتبين والقارئين من الجنسين، حيث لا فرق في الثقافة الإنسانية والعلمية بين جنس وآخر، وحتى لو ذكرت المفارقة فإنها تكون لفظة وليست عملية، حيث لا فرق هناك بين "ثقافة رجل/ امرأة"، وإنما ثقافة الجميع التي يجتمع تحت سرادقها الواسع الجميع، فتكون الفائدة مشتركة كما هو العمل في الجماعي، وقد برع الكثيرون في نقل "السير كتابية/ قرائية"، وكان هناك ما دوِّن ومصير الرديء تلاشى وامحت ملامحه وغيابه السريع، وبقاء الصالح المفيد الذي عانى فيه كاتبه المشقة لكي يكون أميناً في النقل من وإلى "ذاته/ الآخر" في نقلات متتابعات فيها من التشويق ما يعاضد ويتساوى مع المعرفة التي تضمنها العمل المراد منه الإفادة وإثراء المعرفة بتزويد المطلعين على الطريقة التي تُمكِّن من الوصول إليها وكيف السبيل إلى ذلك.

في كتابها الصادر تحت عنوان "كل الكتب في حياتي" تتحدث الكاتبة "شيلا كاي سميث" عن مسيرتها مع الكتب من قصص الجدات والأمهات الشفهية مروراً بالكتب الدراسية وما يدخل فيها من نشاطات لا صفيِّة إلى التمسك بأطراف المكتوب من القصص والروايات حسب تنامي العمر والمعرفة، فهي في كتابها انتهجت اختلافاً عن الطريقة المعهودة في الكتابة عن الكتب، تلك الطريقة التي أذكر منها ما كتبه ألبرتو مانغويل، أو بوخيس، وهنري ميلر وغيرهم ممن كان يركز على الكتب وفي الكتب، فاختلافها أنها كتبت سيرتها الذاتية بالتوازي مع مسيرتها القرائية، وفي هذا كان السرد السلس والتسلسل العمري مع النمو الفكري والقرائي، إضافة إلى العرض والتقويم والنقد للكتب التي قرأت حسب منهج كان فيه عمل الْمِبْرَد والمحك له فعله في ما دونه من آراء في بعض الكتب.

في مرحلة الذروة أو الهوس القرائي حيث يتمثل "القارئ/ القارئة" أنه يمكن أن يكون كشخصية من شخصيات الرواية أو القصة التي أعجب بها، تمد الكاتبة شيلا بساطها المتخيل الذي تمنته أن يكون واقعاً، بعد أن شدَّتها شخصية إحدى الروايات للكاتب جورج بارو "لافنجارو - سيد الكلمات" فتجسد حالتها في هذه الصورة "في تلك الأيام كنت سأدفع أي شيء لأصبح رجلاً، ولجهلي بأن الرجال أحرار من العوائق من العالم، كنت أتمنى كما خُيِّلَ لي أن أقوم بالتَّجول في الريف الإنجليزي حرة من الروابط الاجتماعية والأسرية، وأقابل من أريد كرجل أبيض يتسكع في كل مكان..".

ثم تستدرك بعد تأمل فيما توصلت إليه من خيال التحول إلى رجل فتلقي الضوء على كينونتها في زهو التقلبات الحالمة "كل هذه التخيلات لم تكن في وعيي الدائم آنذاك، ولكنه أمر ذكرته بعد تأمل في تلك الفترة من حياتي.. هذه التخيلات جعلتني أقدر بأني فتاة كنت قرأت ما يكفي من الكتب".