معادلة الأهداف والجوال والتجوال

17-08-2018

حادثتان منفصلتان شهدتهما في أسبوع واحد، أما الأولى فكنت في إحدى المؤسسات لإنجاز خدمة ما، وفوجئت بفوضى عارمة وتزاحم على مكتب تقديم الخدمة رغم وجود أرقام انتظار، فهممت بمقابلة المدير لعلاج الأمر فقالوا «مشغول»، فرمقته من طرف الباب غارقاً في مكتبه بلا سترة نجاة بين أوراقه واتصالاته، فطبقت كفاً على كف وغادرت.

وأما الثانية فكانت في مؤسسة أخرى تعاني من نقص كفاءة موظفي الاستقبال مما تسبب في غضب بعض المستفيدين، فسألت أحد الموظفين عن اسم المدير فقال مبتسماً: لا نعرف سوى أنهم يسمونه «أبو أحمد». فوقفت متأملاً في حوار مع نفسي حول ما حدث في أروقة تلك المؤسستين حتى أخذت الأفكار مستقرها في قلبي مؤمنةً أن كلا المديرين بينهما قاسم مشترك وهو أنهما بنيا جداراً شاهقاً وحصناً منيعاً حول مكتبيهما، وفضّلا الإدارة عن بعد وعدم الاختلاط بمن يكون وبما يكون في ميدان العمل. فكيف يرى هذا النوع من المديرين النجاح عبر حيطان لا تعكس سوى أصواتهم وصداها! وهل الوقوف على سير الخطط والأداء يتحقق على الكرسي وبالهاتف! أم بالسير على الأقدام ميدانياً للملاحظة والمشاركة والتكاتف!

إن عملية الدفع قدماً تجاه تحسين الأداء المؤسسي تتطلب انتهاج قادة هرم المسؤولية في هيكل المنظمات لممارسة وظائف الإدارة انطلاقاً من ساحة العمل، وأتحدث هنا عن «الإدارة بالتجوال». ففي دراسة أقيمت على مجموعة من المؤسسات الاقتصادية العمومية في الجزائر أظهرت وجود أثر كبير لممارسة الإدارة بالتجوال على فاعلية القرارات الاستراتيجية لتلك المؤسسات بنسبة تقارب 60 %.

لذا فإن هذا النوع من الإدارة يدعم تسارع جني ثمار الجهود لخطط وبرامج المؤسسات والتخلص من حمى التحديات التي تواجهها، حيث يسهم في جمع المعلومات والحقائق سيما وإن كانت هناك مشكلات طارئة تؤثر في انحراف الأداء. فنجد مثلاً منهجية «الكايزن» اليابانية التي تتبناها كبرى الشركات مثل مايكروسوفت وتويوتا وبوش تعتمد على التحسين والعلاج في مكان العمل والمشكلة «جمبا» وليس في غرف الاجتماعات التي دائماً ما تفرز دوامة مغلقة من الحلول الهزيلة.

كما أن الإدارة بالتجوال تكشف عن الموهوبين وتحسن الاتصال بين الإدارة العليا والموظفين بالاستماع إلى أفكارهم وآرائهم وهمومهم مما يشعرهم بقرب القيادة ويعزز ثقتهم وهو ما يرفع الدافعية ويحفز العطاء ويزيد من هرمون السعادة والرضا الوظيفي والولاء للمنظمة.

وعلى صعيد الأداء العام والإنتاجية فإنه عدسة القياس لتقييم الموظفين والمنجزات وتقديم التغذية الراجعة الفورية لهم وشرح أهداف وآليات العمل لدعم تحسين الأداء، بالإضافة إلى الوقوف على استثمار وقت الدوام وحالات التسرب والبطالة المقنعة.

ختاماً أقول: نحن على أعتاب نهضة وطنية كبيرة يدفعها طموحات عدة مبادرات تنموية تتطلب من كل قائد متابعة تنفيذها في الميدان بعيداً عرش الإدارة، فالنجاحات والمنجزات لا تأتي بالهاتف الجوال وإنما تتحقق بالترحال والتجوال.