النظافة والقيم الأخرى

17-08-2018

كتب كثيرون - وأنا منهم - عن النظافة بشكل عام والنظافة في المدارس بشكل خاص. الأستاذ مشعل السديري اقترح في أحد مقالاته على وزير التعليم أن يفرض على الطلاب تنظيف فصولهم ومدارسهم في كل يوم أو في كل أسبوع.

التعليقات على هذا الاقتراح انقسمت بين مؤيد ومعارض، المؤيد يرى أن مشاركة الطلاب في العناية بالمدرسة هي جزء من رسالة المدرسة التربوية، وسوف تساهم في بناء شخصية الطالب وتعويده على العمل الجماعي وتحمل المسؤولية، وسوف ينطلق بعد ذلك ليكون عضواً فاعلاً في المجتمع يفكر بطريقة إيجابية، ويمارس القيم التربوية التي تعلمها في البيت والمدرسة ومنها النظافة.

أما المعترض على الفكرة فيرى من زاوية أخرى، ويحتج بأن التنظيف ليس مهمة الطلاب، وإنما عمال النظافة، وبعض المعترضين ينطلقون من ثقافة العيب.

شخصياً أتفق مع مقترح الأستاذ مشعل وأنضم إلى موقف المؤيدين للفكرة، وأرى أهمية التنسيق والتعاون بين البيت والمدرسة في هذا الشأن، وأقترح أن تكون بداية المشاركة اختيارية ثم تتطور تدريجياً حتى تتحول مع الوقت والتحفيز ومشاركة المعلمين والإداريين إلى عادة سلوكية ثابتة، من المهم أن يقوم المعلم والإداري بدور القدوة، ويشاركان بصفة مستمرة.

ومن المهم أيضاً إعطاء وزن كبير في المدرسة للأنشطة التربوية التي تنمي الرقابة الذاتية لدى الطلاب، هؤلاء الطلاب يفترض تخرجهم من المدرسة ليمارسوا القيم الأخلاقية التي تعودوا عليها في البيت والمدرسة، لن نتعب في توعيتهم كما نفعل الآن مع بعض مظاهر السلوك السلبي والإهمال في موضوع النظافة والمحافظة على الممتلكات واحترام القوانين، وإذا جعلنا الطالب يشعر بأن مشاركته في التنظيف عيب فسوف يستمر معه هذا الشعور في البيت والمجتمع.

إن الهدف من مشاركة الطلاب في تنظيف الفصول والمدرسة ليس القيام بمهمة عمال النظافة، وإنما هو هدف تربوي، المدرسة هي الحل الوقائي للممارسات السلبية في المجتمع، هي التطبيق وليس حفظ المعلومات، هي التربية والتعليم. التربية لا تحقق الهدف إذا كانت مجرد تعليمات وتوجيهات وأوامر، يجب أن تكون المدرسة هي المعمل الأول لتجسير العلاقة بين القيم والممارسات، بين النظرية والتطبيق. المدرسة ليست مكاناً للحفظ واختبار قدرة الطالب على التذكر. وفي مقال سابق أشرت إلى أن المدرسة ليست مستودعاً للمعارف، فالمعرفة متاحة عبر قنوات كثيرة، ولكنها مؤسسة اجتماعية تربوية هدفها تنمية شخصية الطالب كي يستطيع استثمار المعرفة، وأن يكون قادراً على الفهم والتحليل وحل المشكلات والتفاعل الاجتماعي بحيث يصبح مواطناً صالحاً يخدم المجتمع ويؤدي واجباته ومسؤولياته بكل إخلاص، ويتعامل مع الجميع بأسلوب حضاري.

ثم إن مشاركة الطالب في النظافة وغيرها من شؤون المدرسة مطلب مهم؛ لأنه يعزز الانتماء للمدرسة، ويتيح الفرص لاكتشاف المواهب والقدرات والمهارات الشخصية خارج نطاق الفصل الدراسي. عدم المشاركة يعني عدم الثقة بالطالب، وكأننا نريد منه أن يستمع وينفذ ويعطل قدراته العقلية. وللتذكير هناك فئة من الناس تعجبهم الفكرة عندما تأتي من مجتمع آخر، يشيدون ويستشهدون بها، ثم يتعاملون معها بسخرية عندما نمارسها في مجتمعنا رغم أنها مبادئ أساسية في ديننا وثقافتنا.

بناء على ما سبق أرى أهمية وفائدة مشاركة الطالب في كل شؤون المدرسة وليس النظافة فقط، بما في ذلك إنتاج المعرفة وإدارة المدرسة. وبهذا يساهم في جعل بيئة المدرسة بيئة جاذبة تجمع بين التربية والتعليم.