سوريون كبار

18-08-2018
يوسف أبولوز

للشاعر السوري اللبناني نزار قباني بعدما ترك ياسمين دمشق، واختار بر وبحر بيروت قصيدة قديمة بعنوان «الممثلون» ومنها هذا المقطع الذي جاء في أول القصيدة.. يقول: «حين يصير الفكر في مدينة..//.. مسطحاً كحدوة الحصان..//.. مدوراً كحدوة الحصان..//.. وتستطيع أي بندقية يرفعها جبان..//.. أن تسحق الإنسان..//.. حين تصير بلدة بأسرها..//.. مصيدة والناس كالفئران..//.. يموت كل شيء..//.. يموت كل شيء..//.. الماء والنبات والأصوات والألوان..//.. تهاجر الأشجار من جذورها..//.. يهرب من مكانه المكان..//.. وينتهي الإنسان//.
ولو كان نزار قباني على قيد الحياة لأدرك كم هو مخطئ عندما يتحدث عن الفكر ويحيله إلى التسطيح، وإلى التدوير فها هو الفكر في سوريا يختار الوقوف إلى جانب الشعب، ها هم أكثر من عشرة مفكرين سوريين يتركون سوريا «لمن يحميها» ويعيشون أو يموتون في المنافي بعيداً عن ياسمين دمشق: المفكر خضر زكريا الذي نقد تسييس الإسلام وتحويله إلى إقطاعيات الإخوان المسلمين وغيرها من إقطاعيات سياسية أيضاً، والمفكر يوسف سلامة التنويري الرافض لأي فكر ظلامي ولأي تعصب إرهابي.. يقول «التنوير في نظري هو الفعل الذي نناهض به كل أسطورة استقرت وهيمنت على العقول»، ثم المفكر جورج طرابيشي أكثر من خاض في إشكاليات العقل العربي، بل، أكثر من عرفنا بعقل سيجموند فرويد ونقله إلى العربية بحرفية مفكر إنساني رافض للظلم والطغيان، ثم صادق جلال العظم المفكر الصلب في رأيه المؤيد لحراك الشعب السوري، وقبل رحيله قبل نحو شهرين كان آخر ما قاله «ما حلمت به سيأتي ذات يوم ويتحقق، ثم المفكر عبدالرزاق عيد العنيد هو الآخر ينحدر من محافظة إدلب التي تتأرجح الآن بين النار وبين النار هو الذي وضع أكثر من ثلاثين كتاباً بين الأدب والحداثة والإسلام وفي إطاره الفكري العام هو مفكر تنويري معارض للظلام بكل أشكاله.. ظلام التطرف وظلام الطغيان، ثم، برهان غليون الذي عرف بالتجربة أن مكان المثقف أن يشتغل على الثقافة والفكر والإبداع إذا أراد أن يحقق حلمه الإنساني لشعبه ولشعوب العالم المريضة بالطغيان، وعن الشعب السوري يقول د. غليون «لقد تحول الشعب المسكين إلى شعب من اللاجئين.. لاجئين في أوطانهم»، ثم المفكر موفق نيربية ويقول.. «يتجه الشعب السوري حتماً نحو انتصاره.. مع كثير من الألم على الضحايا من شهداء وجرحى ومعتقلين ومع احتمال اشتداد الظلمة في آخر الطريق..»، ثم المفكر هاشم صالح التنويري الكبير هو الآخر.. الجدلي الكبير أيضاً في قضايا الحداثة ونقد الأصوليات المسيسة، وهو أيضاً الأكثر قرباً من المشروع الفكري لمحمد أركون ويقول «.. نحن بحاجة إلى فهم تراثنا بعيون جديدة، فنطرح منه الزوائد والقشور ولا نبقي إلا على الجوهر والكنوز..»، ثم المفكر ميشيل كيلو.. صاحب المقولة الذكية.. «لنمنع عدونا من اصطيادنا بأخطائنا..».
سوريون كبار من سوريا كبيرة.. اختاروا شعبهم ولم يتلوثوا بالانتهازية وتجارة الحرب.

yabolouz@gmail.com