أجنحة خيال اللغة والعلوم

18-08-2018
عبد اللطيف الزبيدي

ما هي الكلمة التي تنقص المناهج العربية؟ الخيال. هي تعلّم، تحشو الدماغ، تفعل أشياء كثيرة، لكنها لا تربّي الخيال، لا تستفزه، لا تستحثه لكي يتجاوز الواقع.
عصريّاً، أهمّ عنصرين في التربية والتعليم هما اللغة والعلوم. في العربية يتصوّر واضعو المناهج أن قواعد النحو والصرف هي الجوهر، وهذه ثقيلة الدم ومنفّرة، بدليل أن عشرات الملايين من العرب درسوها، ولكنهم لا يحسنون كتابة بضعة أسطر سليمة، أو ارتجال ثوان بلا أخطاء. في العلوم، لك أن تسأل عن نسبة براءات الاختراع والابتكار والاكتشاف العربية قياساً على العالم. فضيحة حضارية في قرننا.
السنتان اللتان تسبقان الابتدائية هما أساس انطلاق الإحساس بجمال اللغة، وإطلاق صاعق الخيال في العلوم. منذ بداية سن الرابعة إلى عتبة المدرسة، مجال خصب للعب المبرمج. لا يوجد في اللغة شيء غير قابل لتحويله بالتبسيط الذكي إلى ألعاب مرحة. اللغويون هم المعقّدون، بفتح القاف وكسرها. اللغة مخارج أصوات نرسمها بالحروف، أصوات مسموعة نجعلها رسوماً مرئية. نغيّر ترتيب الحروف فتتغير المعاني. تكبر اللعبة مع السنين. الحل الحاسم الذي لا بديل منه، هو استبعاد العامية كلياً وبتاتاً منذ الحضانة. الفصحى ثم الفصحى فالفصحى. ستصبح قواعد النحو والصرف تحصيل حاصل، سهلة الإدراك والتطبيق. لن يستطيع أيّ لغوي أو تربويّ العثور على حل أفضل إطلاقاً وأيسر سبيلاً. ستكون المستويات التالية أسهل ألف مرة.
أمّا تربية الخيال في العلوم، فالقاعدة «علمهم وهم يلعبون» ستظل ذهبيّة ماسيّة. من سن الرابعة إلى السادسة، المجال رحب لإيقاظ الخيال في كل العلوم. إذا كان التفكير والبحث الابتكاريان قاصرين، ففي الشبكة عدد من الكتب المصورة، في الكيمياء والفيزياء والأحياء، المعدّة للصغار قبل الابتدائية، اقتناؤها في المتناول، وتعريب موادها غير معجز. فيها ما لا يحصى من الألعاب التي تجعل الخيال مجنّحاً في آفاق أدمغة الأطفال. يستوعب الصغير لعبة الكيمياء التي تقوم عليها المواد والأجسام كلها. لماذا يشعر بالحرارة حين يفرك يديه؟ لأن جل بدنه أوكسجين، نجسّد له معنى 65%. لماذا تحمرّ يداه عند فركهما؟ ذلك لوجود الهيموجلوبين في دمه، اليحمور، لأن فيه حديداً. هو قادر على الفهم إذا قلنا له إن كل حديد الأرض جاء من نجوم هي أكبر من الشمس وأشد حرارة. تلك جذوة الخيال التي ستصبح شمس إبداع علمي، لأنها لن تخبو في ذهنه، ستجعله يحلم بمعارف وعلوم أبعد مدى.
لزوم ما يلزم: النتيجة التنموية: تربية الخيال هي أعظم أسس البحث العلمي الذي هو أساس التنمية وعمودها الفقري.

abuzzabaed@gmail.com