أين تكمن السعادة؟

16-08-2018

مازالت الناس تنشد السعادة فلا تجدها!! فهناك من يراها في العلم فإذا نال أعلى الشهادات ضاق بها!! وهناك من يراها في القصور الفخمة الضخمة فإذا سكن بها استوحشت نفسه منها وحن إلى بيته الطيني القديم!!

هناك من يرى السعادة في جمع المال، والصفقات المربحة، فإذا نال شيئاً منها ذهب إلى الطبيب ليقيس ضغطه، وليساعده على ما ينتابه من أرق وقلة راحة!

ما أكثر الذين تمد لهم الموائد بكل أصناف المأكولات وما تشتهيه الأنفس فلا يأكلون إلا بعد أن يتجرعوا أدوية قبلها، ولا ترتفع أيديهم عن الطعام حتى تمتد إلى أدوية بعدها!! عجيب أمر هذه الحياة فلمن تطيب؟ أهي للاهين الذين يسهرون ويعربدون وإذا قاموا من نومهم قاموا يتخبطون قد ضاقت صدورهم بما حولهم، وعميت أبصارهم عن النور فكأنهم في ظلمات فوقها ظلمات؟! أم هي لغير المصدقين من المشككين والذين إذا حل بساحتهم المرض، أو دنا منهم داعي الرحيل عاشوا في فزعٍ وهلعٍ وارتباك مما هم قادمون عليه؟

أهي تطيب لأولئك الذين ينهبون أموال الناس وأعراضهم، وربما أبدانهم فيسومونهم سوء العذاب، ويفتكون بهم لمجرد أنهم خالفوهم في آرائهم وسلوكهم؟!

لست أدري ولكنها مشكلة الإنسان الأزلية.. فالإنسان بطبيعته لا يسعده شيء ولا يقنعه شيء، وإذا وقع في يده ما يريد ذهب إلى البحث عما هو فوقه، وقديماً قال المتنبي:

إذا غَامَرت في شرفٍ مرَومٍ

فَلا تَقَنع بما دون النّجومِ

وأقول لأبي الطيب: إن الناس وصلوا إلى بعض النجوم ولكنهم لم يقتنعوا ولن يقتنعوا، لأن الذين ذهبوا إلى السماء اكتشفوا أنها أوسع مما تصوروا ملايين المرات!! المشكلة أن الإنسان يبحث عن السعادة خارج ذاته، ولذا فإنه لن يجدها أبداً، ولن يصل إليها أبداً، بل إن قلبه سيظل فارغاً منها كقلب أم موسى، أو كما فرغ قلب جرير من السلوان حين قال:

يا ليت ذَا القلب لاقى من يعلله

أو ساقيا فسقاه اليوم سلونا

وأين لك ياعمنا جرير بساقي السلوان؟ فهذا أبعد من العنقاء.. وأعتقد أن تفاحة السعادة والسلوان كانت وراء إخراج جدنا وجدك آدم من الجنة.

إن حديث الإخوان والأصدقاء هو من أمتع المتع بعد لذة الإيمان بالله، وأكثرها سروراً إلى الروح.. لانها تخاطب النفس وتحرك الوجدان.. فتبعث المتعة الحقيقية من داخل الذات لا من خارجها.. ومن ثم فإن علينا أن نبحث عن السعادة في داخل أنفسنا، فإذا استطاع المرء أن يتصالح مع نفسه، وأن يخلق ذلك التوازن الوجودي بين متطلبات الجسد، ومتطلبات الروح، واستطاع أن يشعل أضواء وقناديل المحبة والرحمة والألفة في داخله، فإنه سوف يعثر على السعادة، وعلى اللذة الحقيقية التي لا تعادلها ملذات الدنيا من مال، وسفر، وجاه، وحشم، ونفخة، وقصور، فكل ذلك بهرج، وعظمة كاذبة، يكتشفها الإنسان بمجرد أن يضع رأسه على مخدته..

فابحثوا لرؤوسكم عن مخدات سعادة حقيقية.