رسائل الوزير الثلاث

16-08-2018

يروى أن وزيراً جديداً جاء لتسلم مكتبه في الوزارة من الوزير الأسبق الذي استقبله بحرارة متمنياً له التوفيق في مهمته الجديدة، وقبل أن يغادر الوزير الأسبق سلم صاحبه ثلاث رسائل قائلا: «كلما ضاقت بك الأرض واستعصت عليك الأمور افتح واحدة من هذه الرسائل بالترتيب».

وفعلاً بدأ الوزير الجديد مهامه، وما هي إلا فترة بسيطة وبدأ الناس يتذمرون والإعلام يكشر عن أنيابه، وتحت الضغط الشديد قرر الوزير الجديد أن يفتح الرسالة الأولى ليجد فيها النصيحة التالية: «كلما هاجموك وانتقدوك عليك أن ترمي باللوم على الوزير القديم والفريق الذي سبقك وأنك تحتاج لبعض الوقت لتصلح هذه المشاكل الكثيرة الكبيرة التي تركوها لك!». وفعلا نفذ الوزير الجديد النصيحة بحذافيرها وهدأ الغضب الشعبي قليلا. ولكن ما هي إلا مدة بسيطة وبدأت الناس تغلي من جديد والإعلام راح يشن الحملة تلو الحملة ومع الضغط الهائل قرر الوزير الجديد أن يفتح الرسالة الثانية ليقرأ النصيحة التالية: «تعاقد مع شركة استشارية كبرى ومرموقة وأعلن أنك ستضع خطة استراتيجية بعيدة المدى كفيلة بأن تحل كل المشاكل!»، ونفذ الوزير الجديد النصيحة بحذافيرها مما جعل البعض يتحمس له والآخر يصفق متفائلين به. ومرة أخرى وما هي إلا فترة من الزمن ويكتشف الناس أن ما قيل لم يكن إلا وعوداً فارغة دون أي مؤشر أو خطة تنفيذية لتطبيقها فثار الناس ساخطين مجدداً والإعلام أخرج سيوفه وسهامه ورماحه.. نظر الوزير الجديد إلى الرسالة الثالثة ليبحث عن نصيحة تنقذه مما هو فيه. وفتح الرسالة الثالثة ليجد النصيحة الأخيرة تقول: «لقد استنفدت كل الفرص يا صديقي وحان الوقت لتكتب ثلاث رسائل إلى الوزير الذي سيأتي من خلفك!»

هذه القصة يمكن تطبيقها بتصرف على مختلف المناصب من مديرين أو مسؤولين في القطاعات الحكومية خصوصاً. ولعل الشاعر المصري محمود غنيم استطاع وصف الحالة في عدد من الدول العربية في مسألة تعيين المسؤولين من غير أصحاب الكفاءة بقوله قبل عقود من الزمن:

لا وَزْنَ فيها للنُّبوغَ؛ وإنَّما

يَرْقَى السعيدُ بعمِّهِ وبخالِهِ؟!

كم نائبٍ حرٍّ سُقينا الشَّهْدَ من

أقوالِهِ والسَّمَّ من أفعالِهِ!

ولو سألتني ما أكثر الأسباب التي تجعل المسؤول من وزير وغيره في مرمى نيران الغضب الشعبي فيمكن تلخيص بعضها بما يلي: سوء الخدمات، كثرة الوعود دون تنفيذ، إهمال الموظفين الحكوميين العاملين في القطاع وعدم تحسين أوضاعهم، المحسوبيات في التعيينات والترقيات وأيضاً عدم التفاعل وضعف التواصل مع المواطنين في كل الأوقات عموماً ووقت الأزمات خصوصا.

ولعل من أكثر الوزراء الذين سجلوا نجاحاً إدارياً مميزاً د. غازي القصيبي -رحمه الله- الذي يمكن استشفاف شيء من منهجيته القيادية من مقولاته التالية:

قم للمعلم وفه التبجيلا.. وحاول أيضاً زيادة راتبه

لا يأخذ الناس، بجدية كافية أي خدمة تقدم لهم بلا مقابل أو بسعر منخفض.

أنا أكره الذين يتصيدون الألفاظ من فمي ثم يلبسونها معاني من عندهم.

الأنظمة المعقدة هي المسؤولة عن كثير من الفساد.

على الذين يرهبون ردود الفعل، كائنة ما كانت، ألا يقوموا بأي عمل كائناً ما كان.

محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكاراً قديمة هي مضيعة للجهد والوقت.

تبدو النظرية رائعة في كتاب، وتتحوّل إلى مشانق وسجون في التطبيق.

وختاماً، غدا المنصب الحكومي في زمن مواقع التواصل تحدياً كبيراً للغاية في زمن يسهل فيه النقد والتجريح والافتراء، ولكن المسؤول الناجح يعلم أن صبره على المواطنين هو جزء لا يتجزأ من واجبه ومسؤولياته تجاههم!