أزمة العقل «الشفهي»؟!

16-08-2018

لست أبحث عن التباهي بمناقشة المحدثين أو مفاصلة الدعاة فما أنا إلا متلقّ.. يتعلم من هذا ويستقي من ذاك ومحدودية عقله تسمح له أن يقارن بين متناقضات وكثيرا ما يطلب الاستيضاح عنها.

انطلاقا من التوطئة أعلاه دأبنا عقودا طويلة ونحن نتلقى من بعض خطباء المساجد والدعاة ومن نشاهدهم في التلفاز أو من على منابر الصحف أن الأخذ من الشعر أو تقليم الأظافر محرم ولا ينبغي للمضحي فعل ذلك.. وتوافقنا مع حديث أم سلمة عن رسولنا الكريم اللهم صلّ وسلم عليه.. واستمرينا على ذلك لكن فجأة نكتشف أن هناك حديثا أقوى وأصح من هذا الحديث هو لعائشة رضي الله عنها عن رسولنا الكريم فيه نقض لحديث أم سلمة غير أن روايته وتأكيده أقوى وأفضل. ووفقا لما سمعته من بعض مشايخنا الكبار كالشيخ عبدالله المطلق ووفقا لرأي المتخصصين في الحديث الذي اطلعت على كتاباتهم من خلال مراجعاتي في الحديث حول هذا الشأن أقوى وأجود من حديث أم سلمة.

هنا أنا لا أبحث عن الرخص.. لكن أتساءل لماذا لا يشير هؤلاء الخطباء والمحدّثون إلى الحديثين من دون الإشارة لحديث عائشة.. مع أن الأمر سهل ولا فيه ضرر على البلاد والعباد؟!.. والجانب الآخر في الموضوع وهو الأهم ما مدى وجود غياب توجيهات نبوية وأحاديث أو حتى قياسات واجتهادات لم نعرفها؟ ففي كثير من الأوقات نفاجأ في شيء كنّا نفعله وفجأة نكتشف أنه حضر إلينا من العادات والتقاليد وليس له أصل أو تحريم في الدين منها على سبيل المثال قيادة المرأة ما يدفعنا إلى إعادة قراءة كثير من الفتاوى التي ولجت من باب العادات والتقاليد رغم إباحتها.

استنادا إلى أعلاه فنحن أمام إشكالية لن أدعوها باختطاف العقل، بل بإغلاقه تجعله منقادا ليس بيده أي اختيار حتى لو كان في مسألة بسيطة كهذه لن يضير فيها المضحي أن يستمر عشرة أيام بدون قص ولكن ما نخشاه أن يكون الأمر مندرجا على أشياء أكبر لم ندركها بعد؟!

لذلك نحن إزاء خطاب شفهي نتلقاه، ليس من حقنا أن نناقشه بل ننقاد له، وخاصة إذا كان المحدث يقف بين أمرين أو حديثين متناقضين فالواجب عرضهما جميعا، وتركيزه على أحدهما إما من عدم قدرة على المقارنة أو أنه يريد ما يتوافق مع هواه، وهي صفة بشرية تحدث عنها عالم الاجتماع الكبير علي الوردي بصفة عامه بقوله: «العقل البشري لا يستطيع أن يعني بأمرين متناقضين في آن واحد إلا نادرا، فهو لا بد أن يقلل من عنايته بأحدهما إذا أراد أن يركز على الآخر».

ليس من المفيد أن تُفهَم علاقاتنا بديننا بشيء من التعقيد وكثرة الاختلافات التي لا يستطيع الخوض فيها وتفسيرها إلا قلة، ويحدث هذا ونحن في زمن التدقيق والتمحيص وسهولة الحصول على المعلومة، ومن الصعب أن يسلم الإنسان عقله لغيره، وهو تنفيذ لأوامر ربانية كثيرة تدعوا للتدبر والتفكر وعدم التسليم والتبعية لغير المؤهّل من المجتهدين وليسوا من العلماء المقتصرة عليهم الفتيا، يقول الله تعالى في مواقع كثيرة من قرآننا العظيم «تتفكرون» 14 مرة وكلمات «تعقلون ويعقلون ويعقلها» وردت 47 مرة..

الأهم في القول إن سبيلنا وإلهامنا هو قرآننا وهدي رسولنا عليه السلام، وبعدها استعادة قدرتنا على التفكير واستخدام عقولنا، والأهم التخلص من التبعية الشفهية العمياء؟