قصة في الظلم وعاقبته مختصر مفيد

16-08-2018

أحمد الدواس

كان تاجر يشتري الأبقار من العراق ثم ينتقل بها هو ورجاله في طريقهم حتى يصل الى سورية ليبـيعها هناك ثم يشتري بثمنها أقمشـة ومصنوعات أخرى يعود بها الى العراق، كان حسن الأخلاق قائماً بواجباته الدينية يٌعطي من ماله الفقير والمحتاج، وفي إحدى سفرات التجارة، وكان ذلك قبل الحرب العالمية الأولي، أي قبل نحو مئة عام، هطل ثلج كثير فسد الطريق وقتل الأعشاب فماتت أبقاره عدا أربع منها فصرف رجاله ثم وصل الى قرية صغيرة بين الموصل وحلب.
طرق باب أحد البيوت فلما خرج إليه صاحب الدار أخبره أنه ضيف الله يريد ان يبيت ليلته في داره، إذ لم تكن حينذاك فنادق يأوي إليها المسافرون، ولم تكن هناك يومئذٍ مطاعم، والغريب أو المسافر يطرق أي دار ثم يحل ضيفاً ينام فيها ويأكل من طعام أهلها من دون أجر، فرحب به صاحب الدار وأدخل أبقاره الى صحن الدار وقدم لها العلف.
كان صاحب البيت مٌعدماً ماتت مواشيه وتضرر زرعه، وكان متزوجاً، له ولد واحد في العشرين من عمره، وكان في الدار غرفتان، الأولى يأوي إليها هو وزوجته، وغرفة لولده، فاجتمعت العائلة حول الضيف الجديد وابتدأ السمر، وعرف المضيف ان الضيف يحمل مالاً، وفي الهزيع الثاني من الليل ذهب الضيف مع الولد لينام في الغرفة الثانية، وكان الولد مُعتاداً على النوم في الزاوية اليمنى من الغرفة، أي يُفترض ان ينام هذا الضيف في الناحية اليسرى.
في الغرفة همست الزوجه لزوجها: يافلان، الى متى نبقى في عوزٍ شديد ؟ هذا الضيف غني ونحن في أشد الحاجة الى ماله وأبقاره، إننا مقبلون على مجاعة، إننا نأكل يوماً ونجوع أياماً، ان الفرصة سانحة هلمَ الى الضيف فأسلبه ماله وأخذ أبقاره فالضرورة تبيح المحظورات، سألها الزوج: كيف وهو ضيفنا ؟ قالت له: اقتله ثم نرميه في حفرة قريبة ببطن الوادي، ومن يعرف بخبره ؟ مَن ؟!
اقتنع الرجل فدخل الغرفة الثانية ومن ورائه زوجته تشجعه ومشى على أصابع رجليه واتجه الى الزاوية اليسرى من الغرفة وتحسس جسم النائم ثم ذبحه كما يذبح الشاه، وتعاون هو وزوجته على سحب الجثة الى خارج الغرفة، وهنا اكتشفا أنهما ذبحا ابنهما الوحيد فشهق الرجل وشهقت الزوجة فسقطا مغشياً عليهما، وعلى صوت الجلبة استيقظ الضيف واستيقظ الجيران فسارعوا الى الرجل وامرأته بالماء يرشونه على وجهيهما، فلما أفاقا أخذا يبكيان بُكاء مُراً، وتم إبلاغ الشرطة فألقت القبض على الجانيين، ماالذي حدث في غرفة الابن ؟
اخذ الضيف والابن يتجاذبان أطراف الحديث وطال أمده حتى نام الولد في فراش الضيف في الزاوية اليسرى بعد ان غلبه النعاس، ونام الضيف في فراش الولد، فكان صاحب الدار كالخارجي الذي أراد اغتيال عمرو بن العاص فاغتال بدلاً عنه ” خارجه بن حُذافة”، فلما علمَ بالخبر قال ” أردت عمراً وأراد الله خارجه”، ودفن الجيران الولد القتيل، واستقر والده في السجن.
الظلم عواقبه وخيمة، والجشع صفة دنيئة، في أحوالنا الراهنة هناك من يظلم الناس بلسانه، وهناك المدير أو المسؤول الذي يظلم الموظف الكفء فلايرقيه، وهناك حكومتنا والنواب في مجلس الأمة الذين ظلموا المواطنين فاهتموا بالمسائل الثانوية وتركوا الأمور المهمة كحل مشكلة البطالة بين المواطنين، وتردي حال التعليم، والصحة والطرق وتلوث البيئة ومحاربة الفساد،وتبديد موارد الدولة المالية، لضيق البراح نكتفي بهذا فالأمثلة كثيرة.