دوافع الغزو العراقي لدولة الكويت (1)

16-08-2018

باسل محمد

لم تكن المشكلة بين جمهورية العراق ودولة الكويت صيف العام 1990 عبارة عن مشكلة بخلفيات سياسية حصرية تتعلق بأسباب مباشرة نشأت على خلفية حرب الثمانية أعوام بين العراق وايران ( 1980 – 1988)، لأن اعتماد هذا التصور الحصري لا يساعد على فهم العلاقات العربية- العربية، وفهم عيوب الأنظمة السياسية في المنطقة من خلال تجربة الغزو العراقي، كما أن هذا التصور، قد يبرر لنظام صدام حسين بشكل أو بآخر، قراره بالغزو ومحاولة الغاء دولة عربية لها شعب وسيادة ووجود قانوني دولي.
على المستوى العربي، الانقسامات التي حصلت بعد الغزو العراقي للكويت، حصلت لأن البعض فهم موضوع الغزو بطريقة سياسية بحتة وبدوافع سياسية حصراً وحسبها بحسابات سياسية وربما عقد سياسية.
العنصر المهم في موضوع الغزو هو كيف تحول صدام حسين من حليف لدول الخليج العربية الى عدو لها، وكيف تحول نظامه من الحرب على ايران الى غزو دولة عربية، أي تحويل الصراع العراقي- الفارسي، كما كانت وسائل الأعلام والدعاية في العراق في حينه تصف حرب الثمانية أعوام، تحويل هذا الصراع الى صراع عربي – عربي أو عراقي- كويتي أو عراقي -خليجي.
بشكل مؤكد، الأسباب السياسية للغزو العراقي للكويت تتعلق بملفين: اسعار البترول و المديونية الكويتية على العراق ابان حرب ايران كما كان معلناً، لكن قرار الغزو لم يكن مجرد دوافع سياسيةـ بل كان قراراً ستراتيجياً لأن بنية الغزو كانت تحضر منذ وقت طويل.
في مراحل الدراسة الأبتدائية، كانت تدرس مادة التاريخ في السنة الخامس الأبتدائية في المدارس العراقية و كان دائماً يشار بلغة مباشرة الى” أن الكويت تم استقطاعها من العراق”، كما أن درس الجغرافية، لم يكن يخلوا من اشارات مهمة الى أن “خريطة العراق تمتد الى كل أراضي دولة الكويت و أن الأستعمار البريطاني هو من استقطعها”.
كان المدرسون في المدارس العراقية، اغلبيتهم الساحقة من حزب العبث العربي الاشتراكي الذي يقوده صدام وكان يشترط في تعيينات وزارتي التربية والتعليم أن يكون المدرس، منظماً بأيديولوجيا البعث.
بمعنى ان فكرة الغزو العراقي لدولة الكويت كان جزءا من مناهج التعليم في العراق بقيادة نظام حزب البعث، وهو حزب شمولي ويتميز بقسوة شديدة في التعامل مع شعبه وبالنسبة له، المساومات، حسب وصفه، على المبادئ تمثل خيانة وطنية وكانت أفكاره الأيديولوجية حول ضم الكويت جزء من هذه المبادئ.
في أول (ديسمبر) العام 2003، اي في اليوم الأول من القاء القبض على صدام حسين من قبل القوات الخاصة الأميركية، ذهب أربعة من المسؤولين العراقيين، وهم عادل عبد المهدي وعدنان الباججي و موفق الربيعي و أحمد الجلبي للقاء صدام، سأله الباججي: لماذا غزوت دولة الكويت؟ فرد صدام :” الكويت درة تاج العراق و الكويت جزء من العراق”.
بمعنى ان الموضوع لا يتعلق بدوافع سياسية والخلافات حول أسعار النفط والمديونية الكويتية على العراق، كما كان يروج النظام العراقي السابق.
في موضوع نظام التربية والتعليم بالتحديد، لا مجال للمزح، في العام 1984، كان استاذ الجغرافية في مدرسة طارق بن زياد في حي زيونة الراقي ببغداد، قد عارض فكرة أن الكويت جزء من العراق واستخدم في ذلك عبارات ناعمة بقوله:” الكويت أصبحت دولة ويجب أن لا ننشغل بأنها جزء من العراق”، بعد ايام قليلة، لم نعد نرى مدرس الجغرافية، وبين عامي 1984 و 1990 ، ستة أعوام قبل الغزو العراقي للكويت. أي أن الدولة السياسية الاستبدادية في العراق لم تكن تتهاون في هذا الامر.
في ( اغسطس) العام 1990، حصل الغزو العراقي للكويت، كانت كل وسائل الأعلام العراقية الرسمية تشير بدقة الى أنه تم استعادة أراضي عراقية، ولذلك سمى نظام صدام حسين، الكويت، “المحافظة التاسعة عشر” لأن العراق كان فيه 18 محافظة في وقت الغزو، ولم يضع عملية الغزو حتى في سياق الوحدة العربية، لأن النظام كان يؤمن بأستعمال القوة العسكرية في تحقيق الوحدة، وكانت هذه القناعة من أسس الأيديولوجيا البعثية.
في الساعات الأولى من الغزو، كانت الأغلبية الساحقة من الرأي العام العراقي تنسجم مع فكرة حزب البعث في أن الكويت جزء من العراق، و أنه تم استعادة هذا الجزء.
طبعاً هذا الانسجام، جزء منه له علاقة بالتنشئة في المدارس وجزء آخر له علاقة بالانتماء الى حزب البعث، والجزء المتبقي ربما يكون تصرف بعاطفة شديدة أو بخوف شديد لأنه يخشى أن يقول ان الكويت دولة شقيقة ومساندة للعراق في الحرب مع ايران ولا يجب التعدي عليها.
المهم، الغزو العراقي للكويت: تم من دولة سياسية ومؤسسات دولة، من جيش وحزب وقوات أمنية وجيش شعبي، وبتأييد أغلبية ساحقة من المواطنين، لأن المجتمع العراقي كان محكوماً من اشرس نظام مستبد في المنطقة برمتها.
عملياً، الجميع في العراق شارك في عملية الغزو لدولة الكويت، لسبب وجيه هو أن المجتمع كان مهيئاً في مناهج الثقافة والتربية والتعليم، قبل السياسة، لتبرير التعدي على الكويت وأخذها بالقوة المسلحة.
على المستوى الاقتصادي، العراق يملك ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية، كما أن العراق يملك آثاراً نفيسة في الحضارة الأنسانية و لديه مواقع دينية مهمة تصلح للسياحة اضافة الى قدراته العلمية المميزة في العالم العربي، لأن بغداد كانت تضم كبرى جامعات المنطقة التي كان يرتادها مواطنون كثر من الدول العربية.
صحيح حرب الثمانية أعوام مع ايران، أرهقت الميزانية العراقية غير أن ثروات العراق المختلفة تؤهله لأستعادة عافيته بسرعة، وكان العراق بعد حرب ايران، يتمتع بدعم دولي غربي واسع طبعاً لاعتبارات تتعلق بأنه وقف ضد المد الخميني في المنطقة، وبالتالي النظام العراقي كان في أحسن حالته على صعيد نظرة الدول الكبرى اليه، مثل الولايات المتحدة التي فتحت سفارة لها ببغداد خلال هذه الحرب.
المسألة الأكثر أهمية: كانت مشكلات العراق المالية لا تتعدى 100 مليار دولار بعد انتهاء الحرب مع ايران، والدخول في عملية غزو الكويت، وبالأرقام الرياضية: بسبب غزو الكويت، خسر العراق بنية تحتية تصل الى 150 مليار دولار، واجبر بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي على دفع مبلع 13 مليار دولار تعويضات لدولة الكويت.
خلال ستة أعوام من العقوبات الاقتصادية الدولية بسبب الغزو خسر الأقتصاد العراقي نحو 400 مليار دولار لأنه كان محظوراً عليه تصدير النفط.
خلال حرب العام 2003، أي العام الذي وقع فيه الهجوم العسكري الأميركي على العراق، بحسب تقارير مختلفة اختفى بين 400 و500 مليار دولار. كما دخلت البلاد دوامة فساد ومشكلات أمنية، خسرت بموجبها بين200و 300 مليار دولار بين عامي 2005 و 2018، وبحاصل الجمع خسر العراق بعد حرب الكويت تريليون و 360 مليار دولار، في حين كانت مديونيته الأجمالية قبل غزو الكويت 100 مليار، 14 مليار منها فقط للكويت.
في الواقع، كان الشعب العراقي قبل غزو الكويت، يتمتع بمستويات اقتصادية جيدة، ولا يمكن وصف العراق تحت أي ظرف في وقتها بأنه دولة فقيرة وفيه شعب فقير، بمعنى ان العراق كان لديه موارد ومستوى حياة متقارب مع دولة الكويت وبالتالي مسألة الغزو العسكري لم تكن سياسية ولا بدوافع اقتصادية، بل كانت ستراتيجية تربية وتعليم وقيم و ايديولوجيا بأنه يجب ازالة دولة الكويت من الخارطة وفق عقلية كراهية تم تأسيسها وتسويقها خلال سنوات طويلة، وتسببت بضرر كبير على الكويت والعراق والمنطقة برمتها.
( يتبع)

اعلامي و باحث منهجي