المسلمون الأحرار الجدد بقايا خيال

15-08-2018

يوسف عبدالكريم الزنكوي

أنا لا أرضى لأي إنسان أن يسيء لديني ولا لمعتقداتي، ولكنني إن استدعى الأمر، أحاول أن أجادل بالتي هي أحسن وليس بالتهديد. كل المسلمين الذين قرأوا القرآن لابد أنهم مروا على الآية {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، وهذا يعني أن الله هو المسؤول عن هذا الدين، وهو الحافظ لهذا الدين، وليس الإنسان، ورغم ذلك يظن كثير من المسلمين أنهم هم المسؤولون عن الدفاع عن هذا الدين، حتى وإن كانت سلوكيات غالبيتهم لا تعكس الأخلاق الحميدة التي يدعو لها الإسلام.
كل المسلمين يدعون أنهم يؤمنون بحرية التعبير عن الرأي، ولهذا هم يبدون رأيهم بكل حرية في كل الأديان الأخرى، ويصل بهم الحد في هذه الحرية المزعومة أنهم يسمحون لأنفسهم بأن يكفروا كل الأديان الأخرى، حتى اتباع الأديان السماوية، ولكن بالمقابل عندما يعبر أحد الأجانب عن رأيه في الإسلام بحرية، حتى لو وصلت هذه الحرية إلى الإساءة لديننا، قامت قيامة المسلمين.
كاتب ينشر كتاب “آيات شيطانية” فتقوم قيامة المسلمين في العالم كله، وكأنهم بثورتهم هذه وبتهديداتهم الإرهابية، استطاعوا أن يبينوا أسلوبهم المتحضر في الحوار. فقد فشل المسلمون في مسعاهم للوقوف في وجه البريطاني سلمان رشدي كاتب تلك الآيات المزيفة، لأن مؤلفها أصبح مليونيراً بسبب تهديدات المسلمين. رسّام كاريكاتير أوروبي يعبر عن رأيه في الإسلام عندما رسم الرسول (صلى الله عليه وسلم) فتقوم قيامة المسلمين في العالم، وكأنهم أوضحوا بإرهاب العالم درجة تمدنهم، رغم دعوة القرآن بالمجادلة بالتي هي أحسن.
الغريب في الأمر أن اغلب خطباء المسلمين – إن لم يكن كلهم – “لاعنين خير” المسيحيين واليهود ومعهم أتباع كل الأديان الأخرى، من على منابر المساجد وعبر مختلف وسائل الإعلام فِي كل مناسبة دينية وغير دينية، وفِي نفس الوقت لا يمكن أن يرضى أقل المتشددين من المسلمين بالإساءة لأي شخصية إسلامية. يعنى اشلون؟ ” انتوا يا مسلمين تسبون كل الأديان، ولا ترضون أحد يتحرش في دينكم؟” ما هذا الكيل الفاضح بالمكيالين؟ كيف يدعي المسلمون أنهم يؤمنون بحرية التعبير، ويبدون رأيهم في الأديان الأخرى بكل حرية، ولا يرضون لأحد أن يعبر عن رأيه في الإسلام؟ يعني ربكم للمسلمين غفور رحيم وللمسيحيين واليهود شديد العقاب؟
قبل أيام اطلق الكاتب عبدالله الهدلق تغريدة أساء بها لسيدنا الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام، ورغم عدم رضاي بمثل هذه التغريدات المسيئة للشخصيات الإسلامية، إلا أنني أتساءل: ماذا لو تجاهل المسلمون مثل هذه التحرشات التافهة؟ وهل ستتأثر مكانة هذه الشخصيات الإسلامية سواء أسأنا لها أو دافعنا عنها؟ وهل ستغير هذه التغريدات وجه التاريخ مثلاً؟ الأهم من هذا، لماذا ننكش ونعبث بأقلامنا في الفضلات الآدمية لأناس عاشوا على هامش التاريخ، فنصنع شيئاً من لا شيء؟
عندما قتل حمزة ابن عبدالمطلب، عم الرسول، في معركة أحد، مثل المشركون بجثته ومعهم هند بنت عتبة والدة معاوية ابن أبي سفيان، فقيل للرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام: إنهم يمثلون بجثة عمك حمزة، فأطلق مقولته الشهيرة: ما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟
\ \ \
بن غوريون أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل قال: قوتنا ليست في سلاحنا النووي، ولكن قوتنا تكمن في تفتيت ثلاث دول كبيرة حولنا إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، هي العراق وسورية ومصر، ونجاحنا في هذا الأمر لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على جهل وغباء العرب.

إعلامي كويتي