الورقة التي تسبب الموت البطيء

15-08-2018
شيماء المرزوقي

دون شك أن التقدم في العمر له متطلبات وله أيضاً أثره، فلا يمكن أن تقارن نشاط شاب في مقتبل العمر بمن تجاوز الثمانين من العمر، هذا بديهي ولا جدال فيه. لكن التقدم في العمر لا يعني التوقف عن الأنشطة الاجتماعية والثقافية ولا التوقف عن الحياة وشؤونها وأحداثها ولا يعني التوقف عن التفاعل ولا عن العمل.
وكما قال دوجلاس ه باول، مؤلف كتاب تسع خرافات عن الشيخوخة: «الشيخوخة المثلى، فيما أرى، تعني الاستمرار في تأدية الوظائف بأعلى مستوى ممكن، ضمن إطار المحدوديات التي لا مناص منها والتي يفرضها علينا التقدم في العمر. بتعبير أصح، فإن الشيخوخة المثلى هي الحصول على أفضل ما هو متاح. لأطول مدة ممكنة جسدياً ووعياً واجتماعياً ونفسياً».
الذي يحدث في عالمنا العربي وفي معظم دول العالم، هو انتهاء فعالية كل من يتجاوز الستين عاماً، أو عندما يسلم ورقة تفيد بتقاعده عن العمل، تجد ذاك الرجل قد هرم مباشرة وتكالبت عليه الأمراض وهو في السابق لم يكن يعاني من أي مرض ولم تكن هناك بوادر لأي مرض، كان في كامل قوته وحيويته، لكن صدمته بتلك الورقة جعلته في كآبة وإحباط تام، والمشكلة أنه لا يجد أي دعم نفسي ولا تشجيع حتى من أقرب الناس له، فالجميع ينظر له وكأن دوره قد انتهى، بل الأكثر دهشة واستغراب عندما تشاهد رجل يصنف بأنه كبير في السن ويعمل، فتجد من يتحدث يقول هذا قد تقاعد وهو الآن يعمل مجاناً، لهذه الدرجة هو لا يريد الراحة لنفسه، لهذه الدرجة حريص على العمل.
الحقيقة، المسألة مختلفة عن الحرص على العمل وبعيدة عن الخوف على مصدر الرزق، هو يعمل لأنه من الأهمية الاستمرار في الشعور بأن هناك شيئاً يجب تقديمه للناس والمجتمع، فالشعور بأن لا فائدة ولا طائل من بقائك شعور قاتل ومميت بكل ما تعني الكلمة. أعتقد أن نظام التقاعد نظام مفلس وقديم ولا يحقق الهدف المطلوب منه، أنا أرسل أناساً للمنزل وأبعدهم عن العمل وفي الوقت نفسه أصرف لهم المال، ما هي المشكلة إذا صرفت له المال وتركته يواصل العمل كمستشار دون صلاحيات، ما المشكلة إذا جعلت الخيار للموظف المتقاعد في الاستمرار في العمل أو الذهاب للمنزل؟.
نحن نحتاج لأنظمة جديدة لقوانين تراعي هذه الفئة وتمنحهم ما يستحقون من الاحترام، لا الحكم عليهم بأن صلاحيتهم قد انتهت عندما بلغوا سنّاً محددة من الزمن بورقة إنهاء خدماتهم.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com