حال العربية وأحوال العرب

15-08-2018
عبد اللطيف الزبيدي

هل يحيط العرب بحقيقة حال العربية؟ نحن الأمة الوحيدة التي تفصل لغتها عن الشعوب الناطقة بها. بهذه السذاجة الكاريكاتورية، تكون «الضاد» لساناً عظيماً في بلدان تصرّ على العيش خارج العصر. كيف لك أن يفقه الناس قولك إذا حاولت إفهامهم أن الآية الكريمة لا علاقة لها بحياة العربية من قريب أو بعيد؟ «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون». هل نتوقع من العناية الإلهية أن تنزل علينا بانتظام، عبر العقود والقرون، تحديثات جديدة لتطوير المناهج الدراسية، وخططاً تنموية وإنجازات بحث علمي لإنتاج العلوم، تنتظم في معاجم وموسوعات حديثة ويقتبس العالم المتقدّم من أنوارها؟
شيء مؤسف، وغير سليم عقلياً، أن يوظف البعض الإيمان في غير محله، بل في المحال. هذا شبيه تماماً بأن ينتظر مجتمع انتقاله بمعجزة، وبلا حراك تنموي، إلى مستوى حضاري منافس على الصعيد العالمي الأرقى.
قبل الإسلام بقرون لا نعرف مداها تحديداً، نشأت العربية ضمن شجرة اللغات السامية، وكانت في الحقيقة عربيات متعددة، أشرقت في منظومتها شمس لغة القرآن، التي استنهضت العلوم اللغوية التي بين أيدينا اليوم. قوة الحضارة العربية الإسلامية نشرت اللغة وعلومها ومعارفها في الأقطار والأمصار، وازدهرت الترجمة، من وإلى، في أرجاء العالم. هذه الآلية الحيوية للغات شاملةٌ وعامّةٌ في الحضارات، بالتالي يجب أن ندرك أسباب عدم قدرة العالم العربي على إنتاج العلوم، فالعربية بريئة من تخلف البلدان الناطقة بها. كم عدد مراكز البحث العلمي العربية المعترف بها أكاديمياً في العالم؟
منطقياً: العربية ضحية العرب. تقع المسؤولية على مجموع البلدان العربية. السمة الغالبة هي الإحجام عن اقتحام العصر بالوسائل الحديثة غير القابلة للتفكيك والتجزئة: القوى الصلبة والناعمة معاً. إذا أراد العرب حياة للعربية، فإن هذا الحلم لن يتحقق من دون التفكير في حياة أهلها. سرعة التحولات يجب النظر إليها من منظار سرعة الإنجازات العلمية التي تغيّر وجه الكوكب، وفي هذه تكمن اللعبة السياسية الدولية التي هي سباق محموم نحو امتلاك أكبر قدر ممكن من أسباب القوة. من هنا على العالم العربي، الذي يملك ثروات طائلة، وطاقات لمئات الملايين بلا جدوى، أن يتنبه أكثر من غيره للأخطار المصيرية، لأنه، وما أكثر البراهين الملموسة، صار منذ عقود، محور الصراع، وفي الصراع لا صوت يعلو فوق صوت القوة. لا تقوى أيّ لغة إذا ضعف أهلها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الطبية: اللغة وصاحبها اثنان غير قابلين للقسمة والفصل.

abuzzabaed@gmail.com