السكنات العمالية المخالفة

15-08-2018
ابن الديرة

تبذل الدولة جهوداً كبيرة ليحصل العمال على الحقوق القانونية المقررة لهم، بما يتلاءم والقوانين والأعراف الدولية، من خلال منظومة متكاملة من القواعد واللوائح والقرارات المنظمة لطبيعة الأنشطة التي يؤدونها، وما يترتب لهم بناء عليها من حقوق، وما تتطلبه منهم من واجبات، لينعم سوق العمل باستقرار ضروري لتحقيق ممارسات وأنشطة اقتصادية ناجحة، تدعم مسيرة البناء والتنمية بغير حدود. رغم ذلك، هناك العديد من العمال الذين لا ترتقي مستويات تفكيرهم للحد الضروري الفاصل بين ما هو جماعي ومفيد لهم ولمجتمعهم لصالح استقراره وأمنه وأمانه وحيويته أيضاً، فتستهويهم السلوكيات المخالفة، خاصة على صعيد السكن والمواصفات المطلوبة فيه، ليكون صحياً وصالحاً لمعيشتهم، ولا يشكل خطراً عليهم.
والحقيقة أن الكثير من العمال المخالفين يكون بينهم أشخاص بلا تصريح إقامة رسمية يخول لهم العيش ثم العمل في البلاد، لكنهم دخلوها تسللاً في الظلام، وآخرون انتهت إقامتهم ولم يجددوها لعشرات الأسباب المتوفرة، كأن يكون الكفيل وهمياً ودوره يتلخص في بيع الإقامة من دون توفير فرص عمل حقيقية، فلا يستطيعون العمل تحت الشمس ويضطرون للمخالفة في كل أمور حياتهم.
ومع أطراف الفئتين، هناك مجموعة ثالثة من الأشخاص الأقل حظاً من التفكير والتدبير، الذين يقبلون العيش في الظل كيفما شاء وتحت أية ظروف، حتى لو لم تكن مواتية لهم، فالمهم أن يتلقوا رواتبهم آخر كل شهر والسلام، أما كيف يعيشون فهذا لا يفرق معهم كثيراً.
في كل الأحوال، هؤلاء يعيشون في سكنات عمالية مخالفة، بطريقة بدائية تشكل خطراً على حياتهم وصحتهم النفسية والبدنية، فهم يتكدسون بأعداد كبيرة في الغرفة الواحدة في بيئة غير صحية وتشكل تربة خصبة لانتقال الأمراض بسهولة، لدرجة أن الغرفة الواحدة يسكنها 15 فرداً أحياناً، والمنزل الواحد يعيش فيه أكثر من 50 شخصاً، وهو وضع شديد الخطورة عليهم. لذلك تلجأ السلطات المختصة من بلديات وهيئات كهرباء وشرطة وإدارات الإقامة وشؤون الأجانب لمحاربة سكنات العمال المخالفة، ومنع إقامتها في الأحياء السكنية حتى لا يتعرض الأهالي للمضايقات جراء وجود العزاب بينهم، بما يشكل ذلك من أخطار اجتماعية متوقعة ومحتومة، والأمثلة على ذلك كثيرة.
ملاك البيوت والشقق السكنية يتحملون جانباً من مسؤولية هذه الأوضاع الخاطئة، لأنهم مطالبون بالتدقيق في هوية الأشخاص الذين يعيشون في ممتلكاتهم، عبر صور لجوازات سفرهم مطبوعة عليها إقامة سارية، ويتأكدون بين فترة وأخرى من سلامة الأوضاع في ممتلكاتهم المؤجرة، لأن عليهم مسؤولية قانونية في إيواء متسللين ومخالفين للإقامة ومطلوبين للعدالة. والأهالي أيضاً عليهم واجب إبلاغ السلطات المختصة عن أي عقار يستخدم بطريقة غير قانونية، ولا يمكن لمنزل يقطنه أكثر من 50 فرداً أن تكون تحركاتهم في الظلام، فأي طفل يستطيع أن يعرف أن هذا البيت فيه أناس كثيرون، فالخطر إذا هم سكتوا عليه سيطالهم قبل غيرهم عاجلاً أم آجلاً.

ebnaldeera@gmail.com