بديل روسي في إفريقيا

15-08-2018
مفتاح شعيب

بات من المسلمات بقاء إفريقيا ساحة شاسعة للتنافس الدولي منذ مئات السنين. وعلى ذلك الأساس كانت أخصب المستعمرات الأوروبية وأطولها أمداً. وبعد مرحلة الاستقلال التي استمرت من الأربعينيات إلى السبعينيات من القرن الماضي، تطورت مفاهيم الاستعمار لتتمظهر في أشكال مختلفة من الهيمنة، حتى أصبحت معركة مفتوحة بين قوى دولية تتقاتل بالاستثمارات والمواقف السياسية وصولاً إلى تغذية بعض الصراعات الأهلية.
في السنوات القليلة الماضية، أزعج التوغل الاقتصادي الصيني في القارة السمراء القوى الغربية التي فقدت الكثير من مصالحها. وعندما حاولت تلك القوى تدارك الأمر، وجدت التحدي كبيراً والمنافسة شديدة، وأن الصين أصبحت قوة صاعدة واستحوذت على قطاعات حيوية في الأمن والموارد الطبيعية. أما التطور الجديد الذي بدأ يتشكل في السنوات الثلاث الماضية، فيتعلق بتنامي الحضور الروسي على مستويات مختلفة، وأهمها الدور العسكري من خلال نشر مستشارين عسكريين ودعم دول بالأسلحة مثل إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو وأوغندا وأنغولا، من دون تطوير علاقاتها السياسية مع دول محورية في القارة مثل مصر وجنوب إفريقيا وتعزيز تعاونها مع السودان وتأثير حضورها في الأزمة الليبية، وجدت صداها في دعوة المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري موسكو لدعم مباشر في الحرب على الإرهاب والمساعدة في حماية الموارد الليبية.
المتابع لآليات السياسة الخارجية الروسية يلاحظ أنها تقوم على عنصر المفاجأة، فقد كان تدخلها العسكري في سوريا مباغتاً، وقبل ذلك في جورجيا وأوكرانيا، وعلى المنوال ذاته تعمل سياسياً واقتصادياً لتثبيت نفسها كقوة عالمية عظمى بإحياء شبكة العلاقات الدولية القديمة التي كانت سائدة في زمن الاتحاد السوفييتي. ولا شك أن الحديث عن دور روسي متنام في القارة الإفريقية ليس أمراً ساراً للقوى الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة. والحال أنها مشغولة منذ فترة بمحاولات إيقاف التمدد الصيني في البراري الإفريقية، ولم تنجح إلى الآن، بينما تواصل بكين تحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية والسياسية مع استمرار خططها الرامية إلى الحضور بقوة في الممرات الحيوية لطرق التجارة.
بعيداً عن الأحكام المسبقة، ستجد روسيا ضالتها في إفريقيا على غرار الصين، ليس بسبب قوة هاتين الدولتين أو إحداهما، وإنما بسبب أخطاء الدول الأخرى وضغط الإرث الاستعماري الثقيل، فالأفارقة وبعد عهود من التبعية دون تحقيق أهداف جادة، تنامى بينهم النفور من العالم الغربي، مقابل الرغبة في التعامل مع قوى أخرى وفي صدارتها روسيا التي تقدم نفسها على أنها قوة مسؤولة عن حفظ السلام والأمن في العالم وفق استراتيجية جديدة تقوم على إرساء قيم التعاون، لا فرض الهيمنة والتبعية، وهذه المفاهيم يمكن لموسكو أن تسوق بها سياساتها في إفريقيا، وتتمكن من انتزاع موقع متقدم، وإذا ما تم النظر إلى فرضية تحالف روسي صيني، فسيكون لهذا التحالف اليد العليا بعد خطوات زمنية لن تطول.
عودة روسيا بقوة إلى الساحة الإفريقية وسعيها لتكون بديلاً عن قوى أخرى، تؤكد مرة أخرى أن هذا العالم يتغير ويعيش مرحلة تحول خطيرة تجد تمظهرها في الانقلابات المفاجئة في العلاقات الدولية وسقوط «الأخلاق القديمة» لحساب قيم جديدة تقوم على «عقد الصفقات» والمباغتة، من دون السؤال عن الثمن.

chouaibmeftahgmail.com