الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

15-08-2018
د.ناصر زيدان

الغياب الأوروبي عن أبرز أحداث المنطقة العربية يُثير تساؤلات متعددة، ويُراكِم الملاحظات على سياسة الاتحاد في مرحلة حساسة تتسارع فيها الأحداث في أكثر من اتجاه. وتسترسل الأوساط المراقبة في التحليل؛ للتساؤل: هل تخلَّى الاتحاد الأوروبي عن ركائز سياسته الشرق أوسطية؟ أم أن الانشغالات الداخلية، ومنها خروج بريطانيا أخذت كل اهتماماته؟ وفي الحالتين: لا تعفي هذه الأوساط المراقبة كبرى الدول الأوروبية من اللوم عن الغياب في أوقات حرِجة، ومُلحة، تشهد أحداثاً هائلة، بينما ينبري الاتحاد للتعامل مع قضايا تفصيلية، لا يمكن اعتبارها أولويات مهمة قياساً على التطورات الخطيرة التي تجري في أكثر من مكان.
حددت اتفاقية ماستريخت للعام 1991 واتفاقية لشبونة للعام 2007 ركائز سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، ومنها مُحددات علاقاته مع الدول العربية، ومع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكلٍ عام. وكان واضحاً أن الشراكة الموعودة مع الدول العربية التي أنشأتها الاتفاقيتان؛ تهدف إلى تأمين ترويج المنتوجات الأوروبية - ولا سيما الصناعية منها - في الأسواق العربية، وضبط الهجرة غير الشرعية من هذه الدول - أو عبرها - إلى دول الاتحاد، مخافة إحداث تغييرات ديموغرافية في مستقبل القارة. كما أن الهمّ الأمني أخذ حيزاً واسعاً من المقاربة الأوروبية.
إن سياسة التجاهل من قبل الاتحاد لأحداث المنطقة؛ تُثير بعض التساؤلات، لأنها تؤثر على مكانة الاتحاد من جهة، وربما على مصالحه الاستراتيجية في المنطقة من جهة ثانية، لأن شيئاً من الهشاشة السياسية تغلغل إلى المساحة التي كانت محفوظة للاتحاد الأوروبي، كشريك فاعل ومؤثر في السياسات الدولية، ولكونه يتمتع بنفوذ وصداقات تاريخية مع أغلبية دول المنطقة العربية، وهو في الوقت ذاته يدافع عن قيم إنسانية تتعرَّض للاستباحة في أكثر من مكان، ولا سيما في سوريا والعراق، على سبيل المثال.
والمؤشرات المنظورة خلال الفترة الماضية؛ سجَّلت غياباً أوروبياً واضحاً عن التعامل مع تطورات كبيرة حصلت في سوريا، وفي العراق، وفي فلسطين المحتلة، ذلك لصالح اندفاعة أمريكية - روسية، سبقت قمة هلسنكي بين الرئيسين ترامب وبوتين منتصف يوليو/تموز 2018، وأعقبت هذه القمة. وتنظيم الخلاف - أو الاتفاق - بين الجانبين الأمريكي والروسي همَّش الدور الأوروبي إلى حدود بعيدة -أقله في وسائل الإعلام - وبدت دول الاتحاد على غير موقعها المعهود، ونظر إليها المراقبون؛ كأنها تبحث عن هموم أوروبية خالصة تتعلق بوقف الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها، من دون أن يكون لها تأثير فاعل على ما يُحاك في دوائر القرارات الدولية حول مستقبل المنطقة.
واضح أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اتفقت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماعهما في مدينة سوتشي الروسية في 18 مايو/أيار 2018؛ على خطة لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم. يقوم الجانب الروسي بتنفيذ هذه الخطة، نظراً لتأثيره الواسع في سوريا، وإمساكه بمفاصل اللعبة هناك. وهذا الدور الذي بدأت تلعبه موسكو بدا كأنه خدمة سياسية للاتحاد الأوروبي، لأن هؤلاء النازحين يشكلون خطراً مستقبلياً إذا ما استمرَّ تسللهم إلى دول الاتحاد، وخصوصاً إلى ألمانيا.
كان باستطاعة الاتحاد الأوروبي اتخاذ مبادرة إنسانية من خلال مجلس الأمن، تحفظ للسوريين أمنهم بعد عودتهم، كما تحفظ حق المهجرين بالعودة إلى حيث يشاؤون.
وتتساءل الأوساط المتابعة عن الصمت الأوروبي الذي رافق المجزرة التي ارتكبها «داعش» في محافظة السويداء السورية في 24 يوليو/تموز الماضي، وقد ذهب ضحيتها 260 من المدنيين العُزل، وتم اختطاف 36 من النساء والأطفال، بينما يتخذ الاتحاد الأوروبي مواقف مُتشددة من بعض الحالات في أماكن أخرى، منها توقيف بعض الناشطين، أو المدافعة عن بعض المطلوبين للعدالة.
أما الصمت الأوروبي عن قانون التمييز العنصري الذي أصدره «الكنيست الإسرائيلي» حول يهودية الدولة الغاصبة، فكان محل استغراب من المراقبين، وفُسّر على أنه تراجع أوروبي عن الدفاع عن قيم المساواة، ومراعاة للمعتدي في هجمته على أصحاب الأرض، وعلى أبناء الديانات السماوية الأخرى في بلاد المهد.