هل يطوى الانقسام الفلسطيني؟

15-08-2018
هاشم عبدالعزيز

بعد أن كانت الاتهامات توقفت، والتحركات تجمدت بشأن المصالحة الوطنية الفلسطينية، انقشعت هذه الحالة الرمادية؛ لتعيد كشف ما كان يستهدف القضية الفلسطينية لتصفيتها؛ من خلال ضرب الوحدة الوطنية، وفي هذا السياق جرت في فترة قياسية محاولات جادة؛ للمضي إلى الأمام، وتداعيات متسارعة أخطر من لعبة خلط الأوراق بشأن أوضاع مكشوفة وحقائق معروفة، لا تحتمل الهروب إلى الأمام إلا لحسابات نفعية رخيصة، وهي خدمات في المحصلة لمصلحة الاحتلال.
في أبرز هذه التطورات والتداعيات يمكن الإشارة إلى:
أولاً: اتهام حركة «فتح» لحركة «حماس» بأنها استبدلت حوار المصالحة الوطنية بالمفاوضات مع حكومة الاحتلال بشأن هدنة طويلة الأمد، تعزز من خلالها سلطتها على قطاع غزة.
ثانياً: التناقض في موقف «حماس» بين سعيها لإتمام اتفاق التهدئة من جهة، وتمسكها بالمقاومة من جهة ثانية.
ثالثاً: دور مصر والأمم المتحدة تجاه الهدنة، ودور مصر المتواصل في شأن المصالحة الفلسطينية؛ إذ لا تفصل مصر بين القضيتين؛ لأهميتهما، ولخطورة أي فصل قد يؤدي إلى تبعات سلبية، ومن ذلك اتساع دائرة الانقسام السياسي والوطني الفلسطيني، وهو ما عبرت عنه الفصائل الفلسطينية؛ بإعلانها رفض أي اتفاق بثمن سياسي، وهذا ليس قاصراً على شروط الاحتلال فقط؛ بل وعلى وضع القطاع في الوقت ذاته.
اللافت للنظر في هذا الشأن أمران:
الأول: إن الإعلان عن مفاوضات غير مباشرة بين «حماس» و «إسرائيل» جاء على لسان أحد المسؤولين القطريين من ذوي المهمة الإغاثية والمساعدة في قطاع غزة، ما أثار التساؤل عن الهدف القطري في هذا الشأن؟
ثانياً: الإجابة العملية والعلنية من قبل «حماس»، أنها متحمسة للتوصل إلى اتفاق التهدئة، وتبدو متجاوبة مع الجهود الهادفة لوضع حد للمزيد من الدمار «الإسرائيلي» للقطاع، وما يترتب عليه من ضحايا أبرياء من نساء وشيوخ ورجال وأطفال؛ لكنها في المقابل لا تتعامل مع موضوع المصالحة بذات الجدية والاهتمام.
الإشكال هنا أن «حماس»، تبدو كما لو أنها تسعى لأن تبقى سلطتها في القطاع مرتبطة أيضاً باتفاق التهدئة طويلة الأمد.
في هذا الأمر يمكن القول، إن اتفاق التهدئة، سواء كان قصيراً أم طويل الأمد، قد يتم أو قد لا يتم، وفي الحالين لا يغير هذا من حقيقة أن الشعب الفلسطيني رازح تحت الاحتلال ويواجه العدوان، ويعاني جرائم الاستيطان المفتوحة على الأرض والإنسان، ومن هذه الحقيقة يمكن القول، إن الورقة التي قدمتها مصر، وسميت «الورقة المعدلة» أخذت في الاعتبار الاتفاقات في شأن المصالحة، والتطورات والتداعيات المتلاحقة والمخططات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.
من المؤكد أن الورقة المقدمة من المصريين تستهدف إعادة الوحدة الوطنية؛ بعد هذه السنين من الانقسام الكارثي، فالقضية التي تطرحها الورقة المصرية في شأن المصالحة، هي اختبار جدي لكافة الأطراف الفلسطينية؛ كونها تحدد عملية الانتقال من الأقوال إلى الأعمال، وللاستدلال على هذه الحقيقة يمكن الإشارة إلى أن مصر قدمت منذ أيام ل«حماس» الورقة المعدلة، والتي تتألف من ثلاث مراحل متزامنة؛ بهدف البدء بتغيير الوضع، الذي ترتب عن الانقسام وهو ما تقول عنه «حماس» في القطاع، إنه وضع غير قابل للاستمرار.
بحسب الورقة المصرية، تكون مدة المرحلة الأولى خمسة أسابيع، تبدأ بعودة وزراء الحكومة ورؤساء الهيئات الحكومية، لمزاولة أعمالهم في قطاع غزة، ولقاء أمني للسلطة و«حماس» في القاهرة، وتشكيل لجنة وطنية؛ لمراقبة تنفيذ اتفاقي 2011 و2017 في القاهرة، وإنجاز ترتيبات بشأن المال العام، وإجراء محادثات بشان تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وستكون المرحلة الثانية بشأن موضوع تسليم الجباية وصرف الرواتب السابقة وفق ما جرى تقييده سابقاً للعاملين في القطاع، وهي محددة بأربعة أسابيع منذ بدء العمل، أما المرحلة الثالثة ومدتها ثلاثة أيام؛ فتتضمن عقد اجتماعات بين مسؤولين أمنيين من «حماس» والسلطة، فضلاً عن عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت المكلف بإعادة بناء وهيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، الذي يضم إلى جانب فصائل المنظمة حركتي «حماس» و «الجهاد» إضافة إلى المستقلين.
السؤال الآن: أليست هذه الخطوات كفيلة ببدء طي صفحة الانقسام؟، وهل بعد هذه السنوات الأليمة لا زال هناك من يرغب باستمرار هذه الحال؟.
«حماس» اليوم أمام اختبار جدي للخروج من دوامة الانقسام الذي يلعب عليه الاحتلال ومن لف لفه بمؤامرات وصفقات.