عقدة إدلب

15-08-2018
نبيل سالم

قد يشكل الحل المنتظر في إدلب، أو ما يمكن تسميتها ب«عقدة إدلب» المرحلة الأهم والأخطر في مسار الأزمة السورية، فعدا عن كونها قد تمثل المعركة الأخيرة لهذا الصراع؛ فإن سيناريوهات الحل في هذه المنطقة، تنحصر في خيارين لا ثالث لهما؛ وهما: إما الحل العسكري، الذي يبدو أن الحكومة السورية تعمل لأجله؛ عبر تحشيد ملحوظ للجيش والقوات المتحالفة معه، أو خيار تسوية سياسية تراهن عليها أنقرة، التي باتت متورطة في الأزمة السورية بشكل كبير، وتخشى أن يسفر أي هجوم عسكري سوري عن أزمة لاجئين جديدة؛ سيكون لتركيا حصة الأسد فيها.
ومع أن دمشق استطاعت أن تمزج بين الخيارات السياسية، والعسكرية، في جبهات أخرى؛ من خلال الحسم العسكري المترافق مع المصالحات، والتسويات التي أفضت إلى تسليم الكثير من المسلحين أسلحتهم، وتسوية أوضاعهم، حسب الشروط التي فرضتها القوة العسكرية، إلا أن الوضع في إدلب له خصوصية مختلفة تماماً؛ حيث إنه في الجبهات الأخرى كانت إدلب محطة تجميع للمسلحين الرافضين للتسوية مع السلطات السورية، والتي كانت تتم عادة برعاية روسية.
لكن الوضع في إدلب يبدو معقداً أكثر بكثير من المناطق الأخرى؛ باعتبار أنه لا يوجد الآن نقطة تجميع أخرى للمسلحين الرافضين للتسوية.
ورغم أن الخطط الروسية بالنسبة لإدلب قد لا تختلف كثيراً عن الخطط المتبعة في مناطق أخرى؛ لكن كل المؤشرات تقود إلى أن الحل القادم سيكون عسكرياً؛ حيث استبق الرئيس السوري بشار الأسد محادثات «أستانا 10» بالإعلان عن أن «هدف الجيش السوري حالياً محافظة إدلب»، ناهيك عن أن الفصائل المسلحة على اختلافها، لم يعد لديها الكثير من الخيارات، في ظل تفاهم ولو خجول بين روسيا والولايات المتحدة بهذا الشأن؛ حيث يشير اصطفاف قوات الحماية الكردية، إلى جانب القوات النظامية السورية، الذي تسربت معلومات عنه مؤخراً، أن هناك شبه موافقة أمريكية على هذه الخطوة، وأن واشنطن ستكرر نفس الموقف، الذي اتبعته إزاء المعارضة المسلحة في جنوب سوريا؛ حيث طالبت هذه المعارضة صراحة بألّا تنتظر منها تدخلاً عسكرياً؛ وهو ما أسهم في تسريع الحسم العسكري في هذه المنطقة، رغم أن الولايات المتحدة كانت قد حذرت دمشق قبل ذلك من القيام بعمل عسكري في جنوب سوريا.
ومع أن هناك الكثير من التصريحات المتفائلة بالوصول إلى تسوية سياسية ل«عقدة إدلب»، كما هي الحال بالنسبة لتصريحات رئيس الوفد الروسي في ختام اجتماع «أستانا 10» ألكسندر لافرينتييف، بأنه ليس ثمة حديث في الوقت الحاضر عن هجوم عسكري واسع النطاق ضد المسلحين في محافظة إدلب، إلا أن إصرار موسكو على ضرورة قطع دابر المجموعات الإرهابية في هذه المنطقة، وفي مقدمتها «جبهة النصرة»، يعطي مؤشرات قوية على أن الحل العسكري قد يكون قريباً، ولا سيما بعد الغارات المكثفة على ريفي حلب الغربي وإدلب الجنوبي، ناهيك عن إعلان وزارة الدفاع الروسية إسقاط طائرتين مسيرتين، أطلقتهما المعارضة المسلحة باتجاه قاعدة حميميم الروسية الجوية في سوريا، وقيام المسلحين بهجمات على بعض الجبهات، وهو نفس السبب الذي استخدمته روسيا؛ لدفع عجلة الحل العسكري في كافة مناطق «خفض التصعيد».
زد على ذلك أن هناك تنظيمات مصنفة إرهابية، ك«جبهة النصرة»، التي تحولت إلى «جبهة فتح الشام»، وكذلك تنظيم«حراس الدين» الأقرب ل«القاعدة»، فضلاً عن جماعة «أنصار الدين» إضافة إلى القوات التابعة لجماعة «الإخوان المسلمين»، و«الحزب الإسلامي التركستاني»؛ المكون من أقلية الإيغور الصينية، الأمر الذي جعل حتى الصين تفكر في المشاركة في معركة إدلب.
ومع أن البعض يعتقد بأن تركيا قد تكون عائقاً أمام الحل العسكري، لسبب أو لآخر، إلا أن أنقرة تدرك أن دخول القوات السورية إلى إدلب مسألة وقت لا أكثر، وكل ما تستطيع فعله هو محاولة تحقيق مكاسب سياسية، ولا سيما بعد الحديث عن اتفاق (سوري - إيراني - روسي) بتأجيل الهجوم مؤقتاً؛ بغية إفساح المجال لتركيا بالتعامل مع التهديدات الإرهابية، غير أن تركيا تبدو الحلقة الأضعف في ظل تدهور العلاقة بينها وبين الغرب؛ والولايات المتحدة خاصة، والأزمة الاقتصادية التي تعيشها.
لذلك يبدو أن ما سيحصل في إدلب سيكون مشابهاً لما جرى في المناطق الأخرى؛ حيث تقوم روسيا بلعب دور الوسيط ظاهرياً، في الوقت الذي تعمل فيه دمشق عسكرياً، ما يؤدي إلى خلق واقع ميداني جديد، ينتهي بحسم عسكري.

nabil_salem.1954@yahoo.com