من قمة سنغافورة إلى معاهدة سلام

15-08-2018
عاطف الغمري

من الواضح أن الوثيقة التي توصل إليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، لتبدأ بعدها مباشرة مفاوضات إنهاء الصدام التاريخي طويل المدى بين البلدين، هذه الوثيقة تظل مجرد خطوة أولى في طريق طويل معبأ بالعقبات التي قد تتعثر أو تتعطل أمامها مسارات هذه المفاوضات، وهي التي تتعلق بالتفاصيل.
والتفاصيل ليست مسائل شكلية لكنها تمثل جوهر المشكلة المزمعة في شبه الجزيرة الكورية. فإن الولايات المتحدة وكوريا الشمالية سوف تمران بطريق وعر، قبل إمكان وصولهما إلى توقيع معاهدة سلام ملزمة للطرفين، سوف يكون من المطلوب تصديق الكونجرس الأمريكي عليها، حتى تصبح سارية المفعول.
ولأن هذه المعاهدة تتضمن الاعتراف بكوريا الشمالية دولة طبيعية، ليست هناك أية تحفظات سياسية أو قانونية عليها، فإن من المتوقع أن تكون لدى الكونجرس بعد التصديق على المعاهدة، تحفظاته بشأن حقوق الإنسان في كوريا الشمالية.
وكان ترامب قد أوضح عقب لقائه مع كيم في سنغافورة، أن هذا اللقاء يمكن أن يمثل اتفاقاً لإنهاء حالة الحرب، كخطوة أولى في المفاوضات المعقدة التي ستجرى لنزع السلاح النووي في كوريا الشمالية.
بينما يعد توقيع معاهدة سلام أمراً مختلفاً، لأن ذلك يتعلق بالاعتراف بكوريا الشمالية دولة ذات سيادة على أرضها. ومعنى ذلك أن تقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى دولتين، يمكن أن يصبح مسألة دائمة وهو ما يجعل هدف إعادة توحيد الكوريتين عملية بالغة الصعوبة.
ويرى عدد من الخبراء المختصين بالشؤون الكورية أن الإعلان الرسمي بإنهاء الحرب في كوريا يمكن النظر إليه باعتباره نوعاً من اتفاق لإنهاء حالة العداء بين الجانبين، وهو ما يتضمن معنىً سياسياً ورمزياً يختص بخفض التوتر في منطقة شبه الجزيرة الكورية. وبمقتضى هذا الإعلان تكون الولايات المتحدة قد وافقت على مطالب كوريا الشمالية بإنهاء حالة العداء الأمريكية طويلة المدى تجاهها.
وعند الوصول إلى مرحلة توقيع معاهدة سلام فإن ذلك سوف يعني إلزام قوات الأمم المتحدة والقوات الأمريكية التي تحرس خط الهدنة الفاصل بين الكوريتين عند بلدة بان مونجوم بالانسحاب من شبه الجزيرة الكورية. عندئذ سوف يكون للصين موقف أكثر تشدداً من كوريا الشمالية نفسها، بشأن انسحاب القوات الأمريكية، وسوف تستند حجتها في ذلك على عدم وجود مبرر لبقاء هذه القوات، طالما لا يوجد خطر حرب.
لكن المختصين بتتبع مسار المفاوضات التي تقرر أن تبدأ بعد لقاء ترامب وكيم، يرون أن التوصل إلى معاهدة سلام تضمن أمن كوريا الشمالية، سوف يأتي أوانها في المرحلة الأخيرة من المفاوضات، مقابل تخلي بيونج يانج عن ترسانتها النووية. وإن كان ذلك سيتم بالبدء بالخطوة الأولى الخاصة بتخلي كوريا الشمالية عن صواريخها بعيدة المدى، وأسلحتها النووية، قبل توقيع أية معاهدة سلام.
معنى هذا أن لقاء القمة في سنغافورة، وإن كان يعد حدثاً تاريخياً، إلا أنه يظل مجرد خطوة أولى في طريق مشحون بالعقبات، أو حسب الوصف الذي أطلق عليه، بالطريق الوعر.
وبخلاف التراكمات التاريخية للعداوات بين طرفي اللقاء، فإن الوصول إلى الهدف الذي ينتظره كل طرف منهما، به من التفاصيل الشائكة ما يحتاج إلى قدرات مهنية عالية - سياسية وعسكرية وقانونية - على إدارة عملية التفاوض، وهو ما استعد له كل منهما بالفعل.
من ثم فإن بلوغ المرحلة النهائية لا بد أن يعبر الموانع السياسية وتلال الشكوك، التي تملأ طريق التفاوض، وهي المرحلة التي تتضمن شقين هما: نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، حسبما تريد الولايات المتحدة، والثاني معاهدة سلام تعترف بسيادة كوريا الشمالية على أرضها، كما تريد القيادة الكورية.