الثقافة التربوية والتربية الثقافية

23-07-2018
عبد اللطيف الزبيدي

هل العالم العربي واقع في صراع ثقافي مع الواقع العالمي؟ يبدو السؤال متفائلاً؛ نظراً إلى أن الصراع يتضمن سلفاً القدرة المادية أو المعنوية على خوضه.
يمكن الذهاب إلى أبعد، فالمشكلة الثقافية هي في الأساس تربوية. العقل العربي الجمعي لم يتلق في تاريخنا تأهيلاً لوصف الواقع ونقده. ثقافتنا تلعب فيها البلاغة دوراً جوهرياً، والبلاغة ليست سوى تزيين الواقع وإظهاره فوق ما هو عليه. البلاغة مستحضرات تجميل لإخفاء الصورة الحقيقية.
عندما تنتقل البلاغة إلى مجالات الحياة الحيوية، وتطبّق آلياتها وأساليبها على السياسة والاقتصاد والإدارة والتعليم والدفاع والقضاء، والميادين المشتغلة بالمعنويات، تؤدي إلى تعطيل نقد الواقع، وتغطية مواطن الفشل والفساد.
وسائل اللعبة بسيطة: ذرّ الرماد في العيون، خفة اليد في الألعاب السحرية التي تشتت التركيز، الأضواء الفائقة الرقص والتذبذب التي تجعل العيون «تزغلل». الأمثلة لا تحصى: الصخب المهرجاني كان في مدريد، بينما الخازوق كان في أوسلو.
عرس «تحرير العراق ونشر الديمقراطية» كان مقدمة لتحويله إلى دولة فاشلة ممزقة. الربيع الخِربي، جعل العالم العربي منهكاً منتهكاً، مكوناته متناحرة مدفوعة بالدسائس إلى الانفصالية.
البلدان الفقيرة تتداعى، والغنية تواجه الابتزاز. الطرف الذي يتظاهر بالحماية هو يحمي مصالحه وأطماعه.
من دون إغراق في دقة التفاصيل، نستطيع تلخيص التاريخ العربي الجماعي المعاصر، في العقود الستة الأولى من القرن العشرين. لقد نشأت ثقافة نهضة وأحلام تحوّل إيجابي، لا أكثر، وإذا أردنا التواضع الفكري، فإن التنظير الحزبي هو الذي كان «المايسترو».
هنا تختلف القيادة الموسيقية عن القيادة السياسية. في الموسيقى، العمل الفني ألفه صاحبه، وحدد فيه التوزيع الأوركسترالي، وترك لقائد الفرقة أشياء ضئيلة جداً، لا تقدم ولا تؤخر، يستطيع التصرف فيها، وما على العازفين إلا أن يُظهروا مهاراتهم في الانضباط والأداء، ثم يأتي مدى النجاح عند الجمهور والنقد التحليلي.
أما في السياسة فالمشاريع يضع خططها خبراء الميدان، تقدر الجدوى ومعادلة الوسائل والغايات، تُعرض على مؤسسات التشريع والرأي، لفحص مطابقتها للمصالح العامة والعليا، مع متابعة التنفيذ زمنياً. القضايا التي تتطلب قرارات مصيرية لا تترك للارتجال الفردي. هذه المنظومة لم تكن قط في تاريخنا الحديث تحظى بأي احترام والتزام؛ لأن السياسة كانت دائماً تقود العواطف وتسيرها المشاعر. هنا هي تشبه جماهيرية العروض الفنية. تماماً كما يقول جلال الدين: «اقرعوا الطبول ولا تنبسوا ببنت شفة.. أيّ شأن للقلب والعقل هنا، فحتى الروح فرّت».
لزوم ما يلزم: النتيجة البهلوانية: صناعة تاريخ الشعوب تحتاج إلى ثقافة تربوية وتربية ثقافية.

abuzzabaed@gmail.com