شعر الإنسانية والأمومة

23-07-2018
يوسف أبو لوز

امتداداً لمقالة أمس، أختم هنا بالتجوال في الحديقة الصينية متوقفاً قليلاً عند كتاب «الأنامل النحيلة - من شعر النساء في الصين».. والمرأة الصينية مثل شتلة الأرز، الشتلة روحها الماء، وروح المرأة في الصين عائلتها وأبناؤها وزوجها. روحها روح شجرة أو ينبوع، ومن يصل إلى هذه الشفافية، يعرف لماذا يكثر في الشعر الصيني شعر النساء.. الذي تتلمّس فيه ما هو أمومي، ليس على مستوى المرأة في ذاتها، بل أمومة الطبيعة.
يختلف شعر المرأة في الصين عن أيّ شعر آخر من هذا النوع في العالم، فوراء هذا الشعر شيء من أخلاقيات كونفوشيوس، فضلاً عن عفّة هذا الشعر إن جاز التعبير، ونأيه عمّا هو حسّي أو مبتذل، وفي الشعر كما في الأدب النسوي الصيني عموماً نكاد لا نجد تلك الشكوى من الرجل، وإعلان الحرب عليه، واعتباره نقيضاً أو عدوّاً أو سلطة «ذكورية» يجب إزاحتها و«التنكيل» بها مثلما تكتب بعض الروائيات والشاعرات العربيات.
وبالطبع، لا نضع كاتباتنا العربيات كلّهن في سلة واحدة، فهناك أقلام نسائية عربية موضوعية تماماً.
يمتلئ الشعر الصيني بالعشب، والنبت، والأشجار. يمتلئ بالسماء والغيوم والماء. أحياناً ثمة ثلج في القصيدة، وثمة رياح، ومواقد وطيور، وليل، ومطر، وعطر..
ستقول لي وهذه المفردات أيضاً موجودة في كل شعر إنساني فطري، طبيعي، ريفي.. في اليابان، وأمريكا، وإفريقيا.. هذا صحيح تماماً، ولكن يكمن الفرق في الروح وفي المرجعية الثقافية والخصوصية الأسطورية والتاريخية والحكمية والفلسفة التي يمتلكها الشاعر الصيني أو الشاعرة الصينية.
هل يعود الأمر، في الشعرية الصينية إلى شيء من الطقوسية المتفرّدة أو نوع من «التصوّف» بطريقة اعتقادية، دينية، فكرية، أو حتى كونفوشيوسية؟! ربما. هل يعود الأمر إلى الظلال الملكية الإمبراطورية التي ألقت باتساعاتها على الإنسان الصيني في قارّة مترامية الأطراف ومترامية البشر فجعلت منه ذا ثقافة مغلقة قبل ما يُسمى «حركة الرابع من مايو 1919» التي عرفت بالاحتجاجات السياسية والثقافية والاجتماعية المعروفة في تاريخ الصين؟
على أيّ نحو تعيد فيه طبيعة الشعر الصيني إلى جذر معين سواءً ثقافياً أو تاريخياً أو فكرياً يظل هذا الشعر مختلفاً في روحه عن طبيعة الشعر الغربي الذي عرف المادية والسوريالية والعبث والتجريب والتجريد والحداثة وما بعد الحداثة كما يقولون، فيما ظل الشعر الصيني بعيداً عن الجانب الإيديولوجي في بعضه المسيّس، شعر الإنسانية، والدفء، والأمومة.

yabolouz@gmail.com