الاقتصاد الثقافي !

23-07-2018
خيري منصور

غالباً ما اقترن الاقتصاد بالسياسة، وبمرور الوقت وتعاظم دور الاقتصاد في الحياة أصبح من غير الممكن فك الارتباط بين الاقتصاد والسياسة. لكن هذا لا يعني أن الاقتصاد تتوقف حدوده عند السياسة، فهو مبثوث في كل أنشطة الحياة، وللثقافة بمعناها الدقيق نصيب منه. فالكتاب بعد نشره يتحول إلى سلعة ويخضع لمقاييس السوق، لهذا يقال إن كتاباً ما هو الأكثر مبيعاً، والفن التشكيلي لم يعد مجرد ريشة وقطعة قماش، فالأصباغ لها ثمن، وكذلك أدوات الرسم، لهذا ينسب إلى بيكاسو أنه قال ذات يوم إن الفنانين عندما يلتقون لا يتحدثون عن لوحاتهم بل عن أسعار أدوات الرسم وأثمان اللوحات!
حتى الورق أصبح له مافيات ويخضع للبورصة كأية سلعة أخرى، وما حدث ذات يوم حول غابات الأمازون كان ينذر بأن الورق أيضاً له نهاية.
الاقتصاد الثقافي يشمل كل أبعاد العملية الثقافية، بدءاً من سعر ملزمة الورق حتى ما يتقاضاه الكتاب من أجور، وثنائية العرض والطلب تشمل المنتج الثقافي أيضاً، هذا ما حذّر منه بعض المثقفين حين قالوا إن تسليع المعرفة أي تحويلها إلى سلعة معروضة للبيع قد يفسد براءتها ويتيح لمن يرون فيها مجرد تجارة أن يتخلوا عن كل الخطوط الحمر في مهنة مقدسة، وإذا أخذنا السينما نموذجاً فهي الآن خاضعة لمعايير الربح والخسارة، وهناك مصطلح رائج في أوساط السينمائيين هو شباك التذاكر، والنجوم الأوفر حظاً في الأفلام هم الذين تحقق أسماؤهم أرباحاً بسبب شهرتهم وليس بسبب جودة المنتج الفني الذي يقدمونه. وقد لا يكون الاقتصاد الثقافي ملحوظاً على نحو مباشر كالاقتصاد السياسي، لكنه الأخطر قدر تعلق الأمر بتسليع المعرفة.. وبالتالي نزع رسالتها الحضارية والتربوية!

khairi_mansour@yahoo.com