معركة «تطويع» غزة

23-07-2018
يونس السيد

التصعيد «الإسرائيلي» في قطاع غزة، والتهديدات بشن حرب جديدة، لا يقتصر على وقف إطلاق الطائرات الورقية، والبالونات الحارقة على المستوطنات والأهداف «الإسرائيلية» المحاذية للقطاع؛ بقدر ما يستهدف إخضاع غزة، وترويضها أو تطويعها، ودفعها للالتحاق بركب التسوية، والتخلي عن فكرة المقاومة، إن سلماً أو حرباً.
في الأصل، غزة هي البؤرة الأخيرة، التي لا تزال تحمل السلاح، وتتبنى فكرة المقاومة، وتشكل إزعاجاً حقيقياً ل«إسرائيل»، إن لم نقل عائقاً في طريق تصفية القضية الفلسطينية تحت ستار التسوية، والمشكلة الأكبر أنها ابتلعت كل الحروب، التي شنت عليها (ثلاثة حروب في أقل من عشر سنوات)، فمن يدخل في عش الدبابير لا يمكنه أن يخرج منه سالماً؛ ولذلك، فهي تتعرض لحصار منذ أكثر من 12 عاماً، جرى تشديده مرات عديدة؛ بهدف قتلها جوعاً أو دفعها للاستسلام؛ لكن ذلك لم يحدث؛ ولذلك أيضاً تم وضع «فيتو» على المصالحة الوطنية، وإنهاء الانقسام؛ لإبقائها سيفاً مسلطاً على رؤوس الفلسطينيين، بدلاً من الوحدة ورص الصفوف، أي توظيفها كواحدة من أهم عوامل الضغط؛ لإخضاع الفلسطينيين، واقتلاع المقاومة أو نزع سلاحها.
اليوم تتضح الصورة أكثر، حين يتم اللجوء إلى الترغيب والترهيب معاً، والهدف هو ذاته أيضاً، فلقد جاءت «صفقة القرن»؛ لتعطي غزة أولوية على ما عداها (غزة أولاً)؛ عبر حل إنساني يُنهي الحصار وينعش الاقتصاد، ويسمح بتدفق المساعدات، حتى إن «إسرائيل» نفسها اقترحت «خطة مارشال»؛ للنهوض بالقطاع، وكل ذلك مقابل ماذا؟ إخضاع غزة والتخلي عن المقاومة؛ لكن ذلك لم ينجح أيضاً. وتتضح الصورة أكثر فأكثر؛ عندما نتبين أن هناك مقترحاً أمريكياً جديداً، يقضي بإنهاء عمليات المقاومة من قطاع غزة، والاعتراف ب «إسرائيل» كشرط لحل المشاكل في قطاع غزة، وفي مقدمتها إنهاء الحصار والحصول على دعم مالي؛ لتحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، وفق ما نقلته وسائل الإعلام «الإسرائيلية» عن مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير ومبعوثه الخاص لشؤون الشرق الأوسط، جيسون جرانبلات، واللذين أشارا، بدورهما، في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» إلى «أنه على فصائل المقاومة اغتنام الفرصة؛ لتحسين الأوضاع الاقتصادية، بدلاً من تحويل أي شيء إلى سلاح مثل طائرات ورقية حارقة»، وطالبا بإطلاق سراح الجنود «الإسرائيليين» الأسرى في غزة، مقابل تحسين الاقتصاد، واعتبرا، في النهاية، أنه «حان الوقت للاعتراف بدولة إسرائيل، وبدون ذلك لن يتم حل مشاكل قطاع غزة».
بطبيعة الحال، واشنطن و«إسرائيل» تبثان على نفس الموجة، وهما لا تريان إلا «الحل الإنساني» وتجردان غزة من أي بعد سياسي أو حقوق تاريخية، وكأنها نبت شيطاني معزول عن القضية الفلسطينية، ولهذا السبب بالذات ستفشل «صفقة القرن» وكل الحلول الأمريكية و«الإسرائيلية»، وستبقى غزة غير قابلة للترويض؛ بل الصداع المُزمن الذي يؤرق واشنطن و«تل أبيب».

younis898@yahoo.com