زايد وعبدالناصر ومانديلا.. مئوية الثلاثة الكبار
يمكن، في ضوء التأمل في تجارب وخبرات الأمم والشعوب، النظر إلى بعض الظواهر أو المظاهر أو التجليات، باعتبارها نوعاً من المصادفات النادرة، كما يمكن النظر إليها من زاوية التفسيرات المنطقية والموضوعية، وأياً كان المسار المفضل لدى هذا أو ذاك، فإن في ولادة كل من القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وجمال عبدالناصر، ونيلسون مانديلا، في العام 1918، وبالتالي الاحتفاء بمئوية الثلاثة الكبار في هذا العام 2018، ما يلفت الحصيف اللبيب، ويثير مخيلة المتابع الفطن، فما الذي يجمع الثلاثة الكبار غير سنة الميلاد، وبالتالي سنة المئوية؟
الكاريزما والشخصية وسمة الزعامة أولاً، الزعامة التي لا يمكن وصفها أو الكتابة فيها وعنها بقدر ما تحس وتلمس، فهنالك اتفاق عام على أن كلاً من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وجمال عبدالناصر، ونيلسون مانديلا، زعيم، وأن كلاً منهم تجاوز الرئاسة بكل معاني اللفظ وحمولاته، إلى «الزعامة» بكل معاني وحمولات اللفظ أيضاً، الزعامة التي تنطوي على الشجاعة والجرأة والثقة والحكمة والوعي والذكاء.
كل من الزعماء الثلاثة، في سياق ما يجمع، يمكن أن يوصف بأنه صنع الفرق في بلده ومنطقته والعالم، ويتضح الفرق في المقارنة البسيطة بين ما كان وما هو كائن. كل واحد من هؤلاء الكبار غيّر ورفع شعار التغيير حتى تحول واقع بلده وشعبه إلى واقع جديد، وذلك وفق رؤية تبنّاها كل واحد منهم، ثم حققها على طريقته، فكان لزمن ولادتهم، ثم لزمن وجودهم في العمل والحكم، ما بعدهما.
ويجمع بين عماليق القرن العشرين الثلاثة، صفتا التأثير والإلهام، فقد أثروا في الأجيال على امتداد أوطانهم والعالم، وقرأت سيرهم في أماكن متفرقة في العالم، فكانت محل إعجاب قطاعات وشرائح واسعة على امتداد العالم، وإن اختلفت مع بعضهم في هذه الحزبية أو تلك.
أول عماليق القرن والدنا وقائدنا وحكيم العرب، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حيث نحن في الإمارات لا نقارنه مع أي إنسان في أي مكان، ولولا الشيخ زايد وحضوره في تاريخ دولة الإمارات والمنطقة، لما وصلنا إلى ما نحن فيه من نهضة وتقدم، ومن تنمية في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع، ولو أطاعه العرب، وهو الحريص على قضاياهم، في المواقف التي تصدى لها، لما خابوا أو ندموا. لم يبن الشيخ زايد الإمارات أرضاً ووطناً فقط؛ بل بنى مع ذلك وقبله الإنسان، حيث آمن بأن الإنسان هو وسيلة وغاية التقدم، ولم يرد زايد الخير، طيب الله ثراه، إنساناً فارغاً خارج منظومة القيم، بل ركز على غرس القيم في نفوس الرجال والنساء، وتعامل لهذه الجهة مع أهل كل بيت في الإمارات وكأنهم أهل بيته، ومع اشتغال الشيخ زايد على الإنسان بهذه الكيفية، تبين أن القطيعة بين أجيال الإمارات، أو بين المعنوي والمادي في الإمارات، مجرد إشاعة مغرضة.
الشيخ زايد رجل قوي يتميز بالمنطق والعقل واستشراف المستقبل، ومن هنا نذر نفسه وعمره نحو قيام وتقوية اتحاد الإمارات، ثم مده بأسباب الاستمرار والعمل الدؤوب على تعزيز مكتسباته.
وبين هذا وذاك وضع الشيخ زايد أسس وملامح سياسة دولة الإمارات، ضمن انسجام كبير بين العملين الداخلي والخارجي، فلسنا اليوم، نحن، وحدنا، شعب الإمارات، يسمي القائد الرمز «زايد الخير». مئات الملايين في الوطن العربي، وفي شرق العالم وغربه، يطلقون الاسم نفسه عليه، طيب الله ثراه. الأيادي البيضاء للشيخ زايد وصلت إلى كل مكان، فلا توجد مدينة أو قرية عربية لم يصلها من نبع زايد الخير والماء والنماء، بل وصلت أياديه إلى دول إسلامية وعالمية، فنظرته إلى الإنسان والإنسانية واحدة لا تتجزأ.
تفاصيل المشروع النهضوي للشيخ زايد معروفة، ومعروفة خصوصاً لشعبه ومواطنيه، والسياق سياق ذكر مئويته، مع الشراكة لمئويتي عبدالناصر ومانديلا، فلا بد من التزام السياق دون الدخول في التفاصيل، ولو قدر للإنسان الخوض في تفاصيل سيرة ومسيرة الشيخ زايد، لما كفت السجلات الضخمة.
تكفي الإشارة إلى الأساس القوي الذي وضعه العبقري الشيخ زايد لحاضر دولة الإمارات ومستقبلها، وعند جهينة الأرقام والخبر اليقين، لكن، ونحن بصدد سيرة الزعيم الكبير الراحل، بل الغائب الحاضر، لا بد من تذكير المؤسسات المعنية، والأكاديميين، بضرورة توثيق الشخصية الوطنية الأهم، شخصية الشيخ زايد، أغلى وأعز الناس، وما أدراك.
وفي العام 1918 ولد جمال عبدالناصر، الرئيس المصري (1956 1970)، والزعيم المصري والعربي بامتياز، فبالرغم من المدة الزمنية القصيرة حتى لو أضفنا الأعوام الأربعة ما بين ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952، وتاريخ توليه، فإن الزمن قصير، ولا يتسع لمنجز الرجل، منذ تأميم شركة قناة السويس، ومواجهة العدوان الثلاثي من بريطانيا وفرنسا و«إسرائيل»، وصولاً إلى تحقيق مكانة سياسية غير مسبوقة على مستوى الوطن العربي، طوقت، في الوقت نفسه، بشعبية عربية عارمة، وصولاً بعد ذلك إلى نداءات الوحدة العربية، التي توجت بقيام «الجمهورية العربية المتحدة»، عبر الوحدة المعلنة مع سوريا في العام 1958، وإلى الإصلاحات التحديثية بدءاً من العام 1962، وتوليه رئاسة حركة عدم الانحياز في العام 1964.
وعندما توفي جمال عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970، بعد اختتام القمة العربية، شعر العرب جميعاً من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، بالخسارة ومرارة الفقد.
لم يكرس عبر الزمن رمز للحرية، يكون محلاً لإجماع الوجدان الجمعي العالمي، كما كرس بطل جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا، الذي كان الإعجاب متبادلاً بينه وبين زايد الخير، طيب الله ثراه، والذي احتفت أوساط عالمية بمئويته هذا العام، وكان بدأ العمل السياسي في العام 1942، يوم انضم إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، أما محور اشتغال مانديلا في السياسة والعمل العام، فهو مقاومته التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، فدخل السجن مرات عدة، كان أطولها مكوثه في السجن لمدة 27 سنة، حيث أطلق سراحه في العام 1990، ليصبح رئيساً للجمهورية في العام 1994، وذلك بعد إعلانه وقف «الكفاح المسلح»، وقيامه بمفاوضات مع السلطة حينئذ نحو إنهاء التمييز العنصري.
ولقد اكتفى مانديلا بمدة رئاسية واحدة، فكما لو أنه غادر خشبة المسرح والأضواء وهو في قمة توهجه وإعجاب بل انبهار العالم به، إلى أن توفي في 5 ديسمبر 2013، وسط حزن العالم من أقصاه إلى أقصاه.
ذلك طرف من خبر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وجمال عبدالناصر، ونيلسون مانديلا، في مقام مئوية ألفت بينهم، وقيم جمعتهم، وعمل مطوق بالتضحية، أرادوه للأوطان ولناس الأوطان.
habibalsayegh778@gmail.com