عناق التنّين والصقر

23-07-2018
عبدالله السويجي

أن يبدأ شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية، وهي دولة عظمى بالمقاييس كلها، جولته الآسيوية والإفريقية من الإمارات، فهذا له دلالات كثيرة، وكأنه يرسم مركز الثقل لطريق الحرير الذي يتم إحياؤه من جديد. فالإمارات بموقعها الإستراتيجي وإمكاناتها الاقتصادية وعلاقاتها العالمية الطيبة مع الجميع، ورؤيتها المستندة إلى التعايش السلمي واحترام الآخر والتي تعززها قيم التسامح الثقافي والديني والإنساني، وشعبها الطموح علمياً وثقافياً، المحب للشعوب التوّاق لإرساء السلام وفق القوانين الدولية وشرائعها، تشكل شريكاً إستراتيجياً مهمّاً للصين، وعناق التنين والصقر سيثمر مستقبلاً ثابتاً راسخاً من التعاون في مجالات الطاقة والصناعة والثقافة والتعليم والفن، ناهيك عن قدرات الصين الهائلة عسكرياً واقتصادياً وتجارياً، وقدرات شعبها الإنتاجية التي مكنته من غزو الأسواق العالمية بجدارة وحرفية، ومنها أسواق الدول المتقدمة.
العلاقات الصينية الإماراتية ليست حديثة أو جديدة، وإنما تمتد إلى 34 عاماً من التعاون والتبادل التجاري المبني على الندية واحترام المصالح.
وقد أسس لهذه العلاقات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس وباني دولة الإمارات، حين قام بزيارة الصين في العام 1990، واطّلع على مؤسساتها وماكينة العمل التي لا تهدأ، وكانت النتيجة التي نراها اليوم والمتمثلة في 3000 شركة صينية في الإمارات، وأكبر سوق تجاري في المنطقة يسمى «دراجون مول»، و200 ألف صيني يقيمون ويعملون، وتبادل تجاري يصل إلى 50 مليار دولار في العام، إضافة إلى ملايين السياح الذين يفدون كل عام إلى الإمارات للاستمتاع بطقسها وأمنها واستقرارها وأماكنها التاريخية والاطّلاع على ثقافتها ومعجزة البناء التي حولت الصحراء إلى حديقة غناء خلال فترة وجيزة من الزمن.
إن دعوة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، رئيس الصين لزيارة الإمارات تأتي في إطار تعزيز التوازن في العلاقات الدولية، فالخبرة في رسم السياسة الخارجية جعلت الإمارات تنأى بنفسها عن سياسة الأحلاف والتحالفات العالمية الضيقة، فمصلحتها السياسية والاقتصادية تتطلب إقامة علاقات مع جميع الدول في كافة القارات،
لاسيما الدول التي تشكل ثقلاً سياسياً وتجارياً واقتصادياً. ولهذا فإن علاقة الإمارات تمتد من مشارق الأرض إلى مغاربها ومن شمالها إلى جنوبها، فحيث تكون المنفعة لشعبها تكون العلاقات متينة، والعلاقات الإستراتيجية مع الصين تصب في هذا الإطار، وتصب أكثر في التخطيط الإستراتيجي للمستقبل وتحقيق رؤية 2030 وما بعدها، ولهذا فإن العلاقة مع الصين هي علاقة مستقبلية بامتياز.
تلتقي الإمارات بالصين في مسائل أبعد من التجارة والصناعة والسياسة، إنها تلتقي في الاهتمام بالشخصية الوطنية والمحافظة على منظومة القيم والمبادئ، والتراث والعادات والتقاليد، فبالقدر الذي تعرف فيه الصين كدولة إنتاج وتجارة وصناعة، فإنها دولة تراث وعادات وتقاليد تمتد إلى آلاف السنين، شأنها شأن الإمارات التي تولي أهمية كبيرة للتماسك المجتمعي وتعزيز القيم والمبادئ وترسيخ العادات والتقاليد الإيجابية في المجتمع. فالصين على ضخامتها تشكل كتلة واحدة من التقاليد، وإن كانت متنوعة ومنوعة، لهذا فإن التعامل الجوهري في العلاقات الصينية ينبع من حرص كل من الإمارات والصين على حماية الهوية الوطنية وعدم الذوبان في العولمة التي باتت تهدد هذه الهوية رغم أن هدفها هو حماية الخصوصية لكل ثقافة ومجتمع.
إلا أن التنظير شيء والتطبيق شيء آخر، فمن أطلق نظرية العولمة يسعى اليوم لإذابة ثقافات الشعوب عن طريق الاحتكار والغزو الثقافي المكثف عبر المحتوى التقني والتكنولوجي، والصين والإمارات ترفضان التنازل عن الخصوصية التي تميز كل شعب. يتم هذا رغم الاختلاف في العقيدة، لأن التلاقي يتم من خلال المبادئ الإنسانية كونها تشكل استدامة الخصوصية والهوية.
تحدث كثيرون عن الاحتفاء الكبير الذي لاقاه الرئيس الصيني جين بينج والوفد المرافق له، وحفاوة الاستقبال المتميزة، حتى إن البعض وصف ذلك بأن هذه الحفاوة لم تقدم لأي رئيس دولة سابق، ولن تقدم لأحد في المستقبل، وهو كلام قابل للجدل، لأن الإمارات دولة تحتفي بضيوفها من القادة والزعماء احتفاء يليق وقيم الضيافة العربية، أما إذا كان المقصود بالحملة الإعلامية التي ركزت على ثقافة الصين وتاريخها، فهذا من باب التعريف بدولة عظمى تتميز بفلسفة مهمة قادتها لتحقق ما لم تحققه دولة على وجه الأرض، إذ المسألة لا تقاس بعدد السكان، فهناك دول يتجاوز عدد سكانها المليار، لكنها لم تحقق ما حققته الصين من إنجازات عالمية. لهذا تستحق الصين بفلسفتها وثقافتها وقدرتها الهائلة على الإنتاج أن يُحتفى بها بشخص رئيسها الذي يعمل على الانفتاح أكثر على شعوب ودول العالم.. فأهلاً بالتنّين في بلاد الصقور والتسامح والمحبة.