فردوس الحمقى..!

يقول المنظرون ـ وأنا أصدقهم هذه المرة ـ بأن الثقافة تعني مجموعة العقائد والقيم والقواعد والمعارف والمعاني التي يقبلها أفراد جماعة من الناس.

وثقافة كل جماعة من الناس تعتمد على ما تلقوه وتعلموه وآمنوا به خلال فترات زمنية طويلة وأجيال متعاقبة. ولذلك يبدو الأمر أقرب إلى الغباء والحماقة حين ينظر إلى ثقافة أي مجتمع أو شعب أو قبيلة أو أي مجموعة من الكائنات البشرية بشيء من الازدراء والسخرية، لأن الشخص الذي يزدري هذه الثقافة أو تلك يضع نفسه معيارا لحياة الناس، فمن يقترب منه فإنه يقترب من الصواب والحق والأسلوب الأمثل لفهم الحياة ومن ابتعد عنه فإنه في ضلال مبين. وهذا هو تعريف الحماقة الذي اخترعته للتو.

والحمقى والجهال والسوقة ليسوا حكرا على عصر بعينه، فهم موجودون منذ أن بدأت المجتمعات البشرية في التشكل، ولكل أمة نصيبها ولكل عصر حظه الوافر من هؤلاء. وهذه ليست مشكلة بالطبع، فالأحمق أو الغبي بشر هو الآخر ومن حقه أن يعيش على هذا الكوكب كما يعيش غيره من الناس.

لكن الفارق الجوهري بين عصرنا هذا وغيره من العصور السابقة هو أن هؤلاء أصبح بإمكانهم أن يكونوا منصات إعلامية، وأصبحوا يتحدثون في كل شأن ـ كما أفعل الآن ـ وأصبح لكل أحمق حساب في تويتر أو غيره مما شابهه يبشر الناس فيه بمعتقده والطريقة التي يريدهم أن يعيشوا بها.

يسخر من عادات الناس ومن ثقافاتهم، يعتبر أي لهجة لا يفهمها ولا يتكلم بها سببا كافيا ووجيها للسخرية وازدراء أهلها ومن يتحدث بها.

يريد أن يسافر الناس إلى الأماكن التي يحبها هو، وأن تعجبهم ذات الأشياء التي تعجبه. وأن يأكلوا بطريقته ويفرحوا بطريقته ويحزنوا أيضا بالطريقة التي يحزن بها، وهذا تعريف آخر للغباء اخترعته للتو أيضا.

من حقك كأحمق أن تحب ما تريد وأن تكره ما تريد، وأن تعجبك أشياء وألا تنال أخرى شرف إعجابك، لكنه ليس من حقك أن تسفه اختيارات الآخرين التي لا تؤذيك في شيء. صحيح أنك إن فعلك هذا فلن تصبح أحمق ولكن حماقتك أمر يمكنك التضحية به. فالحياة ليست سوى مجموعة من التضحيات.

وعلى أي حال..

أظن أننا جميعا نمارس مثل هذه الحماقات، ولكن بنسب متفاوتة، وأظنها تصبح مشكلة حين تصبح أسلوب حياة، وأثناء كتابة ما سبق خطرت لي فكرة حمقاء، وهي أن الحماقة أسلوب حياة وثقافة هي الأخرى، وأنه يجب التعايش معها وتقبلها كاختيار حر لشريحة لا بأس بها من الخلق يتشاركون مع الآخرين هذه الحياة. صحيح أنها ثقافة مؤذية لكني لا أجد وسيلة لدفع أذاها، ولذلك يمكن اعتبار هذا الأذى هو التضحية التي يجب تحملها في حال عجز الأحمق عن التضحية بحماقته.

@agrni