الجانب المظلم للكتابة

21-07-2018

لا أحد يتصور ما يمر به الكاتب حتى يصل لعمله الرائع الآن، العمل الذي يحصد أعلى مبيعات في المكتبات وجوائز عظيمة يحسد عليها، ما وراء الغلاف المبهر من سهر وتعب، وما حصل كي يبدو العنوان بهذه الصيغة المبتكرة. وكم من جهد استهلك كي تبدو الأحداث مترابطة ومحبوكة بهذا الشكل اللذيذ.

لا تنسل الجمل بكل سلاسة من مخيلة الكاتب مطلقا، بل على العكس، فأسوأ ما قد يمر فيه هو صياغة الأحداث ومحاولة عدم الوقوع في حبسة الكاتب. إن الكاتب يركض بقلمه مرة ثم يقفز مرة أخرى وأحيانا يفضل الاستلقاء على نهاية عادية لأن الأمر أخذ أكثر مما يجب.

أما محاولة إيجاد فكرة جديدة لبدء عمل ما فهي مرعبة، حين يتوخى الحذر من الوقوع في التكرار والاستهلاك لإنتاجه، وتحسين مهاراته أيضا، من الصعوبة الإمساك بفكرة دون أن يساوره شعور بأنها سيئة، وفي حال قرأ ما كتبه بصوت عال فهنا يصاب بالفزع، ويمزق الورق أو يحذف المستند إن كان يستخدم الطريقة الالكترونية.

لطالما يشعر الكاتب بمدى فظاعة ما يكتبه حتى لو كان جيدا بالنسبة للقارئ، وكيف تبدو الجمل والكلمات سخيفة وسيئة حين يقرؤها بصوت عال.

إن مهنة الكتابة مع كل رونقها وروعتها تعد من أسوأ المهن من حيث الجانب النفسي والفكري الذي يمر به صاحبها.

عند انتهائه من عمل ما يكون قد استهلك جوفه، وما يحدث يشبه التنظيف بعد حفلة صاخبة.

مهما يبدو النص أمامك سيئا أو ضعيفا، فاعلم أن وراءه حروبا قامت على طاولة الكتابة، ومعارك لا تحصى لتفوز فكرة ما أمام ملايين الأفكار التي تقاطع سير العملية الكتابية، وكيف تبهت الأفكار في لحظتها وتلمع أخرى لم يكن مخططا لها مسبقا، أظن أن الكتاب قد ألمحوا لذلك عندما قالوا إن القصص هي من تروي نفسها لا نحن، وسير الأحداث يسير كيفما تريد القصة وليس كما يريد كاتبها. إنه أمر طبيعي.

الكتابة ليست مهنة عادية تستيقظ لها صباحا وتنجز فيها مهامك كيفما طلب، ثم تعود للمنزل، إنها تلاحقك أينما ذهبت، حتى عندما تنام تستطيع مضايقتك في حلم ما وتوقظك منتصف الليل لتجبرك على كتابة جملة كنت قد نسيتها أثناء الكتابة.

تصيب جودة النص بالجنون، حيث إن كل كلمة وجب أن تصقل وينقح كل سطر ويسأل عن سبب كتابة هذا وهذا ويكتب بشكل أوضح حتى لا يفهم بشكل خاطئ.

وأنا مع فكرة ألا نسمي ما ننتجه أدبيا بأطفالنا، فحين يزعجنا ما ننتجه نقوم بإيقاف نشره فحسب، ولا يمكن أن نخفي أطفالنا بعيدا عن أنظار الناس بمجرد أنهم لم يعجبوهم.

الكتابة تنير بصيرتك على ما حولك، فتزيد حصيلتك في المفردات، وتعلمك من أخطائك النحوية والإملائية أكثر مما فعله مدرسوك خلال مسيرتك الدراسية.

إنها مجد، لكنك لا تحصده إلا بعد أن تستحقه.

aso1993m@hotmail.com