امرأة وسيارة

25-06-2018
يوسف أبو لوز

رغم أن قرار السماح للمرأة السعودية قد اتخذ قبل نحو عام، وأصبح في حكم المؤكد، والآن، وعملياً تقود النساء السيارات في المملكة بدءاً من الساعات القليلة الماضية، إلا أن الكتابات والآراء والتعليقات على هذا الحدث الاستثنائي والأول من نوعه في السعودية لم تتوقف منذ عام، ومن المتوقع أنها لن تتوقف حتى بعد عام. أما في الساعات القليلة الماضية، فقد ارتفعت وتيرة التعليق على قيادة المرأة للسيارة في السعودية، ويقول الكاتب الصحفي السعودي محمد إبراهيم الحربي في جريدة «البلاد» (عدد أمس) إن مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله قد أفتى في عام 1411
هجرية بعدم جواز قيادة المرأة للسيارة، ويقول الكاتب تعليقاً على ذلك إن هذا الموضوع مخجل طرحه بهكذا أسلوب، لأنه لا يوجد نصّ شرعي يمنع قيادة المرأة للسيارة، فقد كانت المرأة تركب الدواب: الحمير والبغال والخيول والجمال في عصور ما قبل السيارة والطيّارة، وكانت تخرج على هذه الرواحل خارج البلدة ولا أحد يستطيع اعتراضها طالما كانت محتشمة.
الباحث السعودي مهنا الحبيل ذكر في مقالة قديمة له «أن مَنْ له موقف كتقدير مصلحي للمجتمع ما يعتقده من سلبيات كنظام مروري واجتماعي فهذا حَقّه، لكن لا يجوز أن يُحَوّل هذا التقدير إلى نصّ ديني يحاكم الناس بناءً عليه ويطعن في دينهم».
قيادة المرأة السعودية للسيارة حديث العالم كلّه، وليس حديث عدد من الصحفيين السعوديين والخليجيين. والمعترضون على قرار مدني حضاري خدمي كهذا هم متعصبون فكرياً واجتماعياً وما زالوا يعتاشون على ثقافة الكهف والظلام. ويأتي قرار القيادة السعودية بالسماح للمرأة في المملكة بقيادة السيارة عصرياً وحضارياً ويتماشى مع حركة الحياة والناس مع مراعاة طبيعة المجتمع السعودي الثقافية المحافظة، فقرار الدولة السعودية لم يأتِ فجأة ولم يهبط ب «البراشوت» على طبيعة الناس في المملكة، بل كانت هناك مقدمات اجتماعية وثقافية ونفسية، وكلّها علمية وموضوعية بحيث أصبح تنفيذ القرار حقّاً وسلوكاً مدنياً اجتماعياً تقبّله السعوديون، وتفهّم العالم جيداً لماذا تأخرت المرأة في قيادة السيارة في السعودية كل هذه السنوات.
هنا، للبعض رؤية اقتصادية لقيادة المرأة للسيارة في السعودية، وعلى سبيل المثال، يقول متخصصون إن قطاع التأمين في المملكة سينمو بواقع 4.8 مليار دولار في 2019
، وإن القرار سيسهم في خلق وظائف وتحوّلات تاريخية في سوق العمل في السعودية.
هذا من ناحية اقتصادية، ومن ناحية نفسية تشعر المرأة أكثر بخصوصيتها وشخصيتها الاجتماعية الفاعلة، وأنها كائن بشري يمتلك ذاته ولو على مستوى قيادة سيارة، هذا الكائن المحتشم، العملي، الشريك في الحياة والمجتمع باستقلاليته وحضوره الإنساني.
على هامش قيادة المرأة السعودية للسيارة، قد يتبادر للبعض أن يبحث عن أول امرأة قادت سيارة في التاريخ، نتائج البحث في «جوجل» تقول إن امرأة ألمانية تدعى بيرثا كانت تشجع زوجها على الاستثمار في تجارة وصناعة السيارات، وكانت بيرثا أول امرأة تقود سيارة في التاريخ من مدينة مانهايم إلى مدينة بيفورزهايم، وتعطي إيناس كمال معلومة تقول إن الفكر السائد في القرن التاسع عشر في أوروبا متمثلاً في الكنيسة كان يرى أن أي عربة لا تجرّها الخيول تُعد من أعمال السحر والشعوذة.

yabolouz@gmail.com