الغراب والذبابة

25-06-2018
خيري منصور

من كانوا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي في المدارس الابتدائية يتذكرون تلك الحكايات التي كانت تترجم وتلخص عن مجلات مثل «ريدر دايجست»، وهي حكايات أشبه بما جاء في كليلة ودمنة لابن المقفع، ومنها حكاية الغراب والذبابة. ولكي لا نستهين بهذه المخلوقات فقد كتب عنها فلاسفة وشعراء كبار، وعلى سبيل المثال فإن أشهر قصيدة للشاعر ادغار الن بو عن غراب كان نعيقه يتسلل من نافذة المنزل ويردد عبارة «ما مضى لن يعود»، كما أن شاعر البلاط البريطاني قبل رحيله كان من أشهر دواوينه ديوان عن الغراب، ولم يكن نصيب الذباب أقل من ذلك، فأشهر مسرحيات جان بول سارتر، التي كتبها خلال الاحتلال النازي لبلاده كان عنوانها «الذباب»، وهناك شاعر توقف بمحض إرادته عن الكتابة هو كرورانسوم؛ لأن الحارس في مزرعته كان يشكو من كثرة الذباب، فسأل سيده ذات يوم ما الذي جعل الذباب ذباباً، وكان ذلك السؤال محيراً وبلا إجابة، وبسببه توقف الشاعر عن الكتابة.
وبالعودة إلى حكاية الغراب والذبابة نجد أن كاتب الحكاية رأى في الغراب نموذجاً للجشع، ووقف من الصباح إلى المساء وهو جائع وأتيحت له عدة فرص كي يسدّ الرمق لكنه أضاعها، وفي لحظة الغروب بدأ يتضور جوعاً ولا يجد شيئاً يأكله، فقال آه على ذبابة، رغم أن ما مر حوله وبالقرب منه عدد لا يحصى من الذباب.
مغزى الحكاية هو أن هناك من البشر من تتجاوز أحلامهم قدرتهم على تحقيقها، ويبددون العديد من الفرص بانتظار ما يتصورون أنه الفرصة الذهبية الكبرى، فهم قد يرفضون وظائف متاحة تيسر لهم شق الطريق إلى ما هو أهم، ومنهم من لم تعجبه نساء الأرض وبقي بلا زواج حتى الشيخوخة بانتظار امرأة تتجسد فيها كل النساء، وهؤلاء وأمثالهم ما إن يأتي الغروب حتى يرددوا ما قاله غراب الحكاية وهو آه على ذبابة!

khairi_mansour@yahoo.com