الصفقة.. محاولة تجريبية

25-06-2018
محمود الريماوي

نشط مبعوثون أمريكيون معنيون بالشرق الأوسط الأسبوع الماضي في إجراء اتصالات ببعض دول المنطقة، وإذ لم يرشح شيء عن المواقف الأمريكية وما إذا كانت تحمل جديداً، فقد كان من الواضح أن اختتام الجولة التي قام بها جاريد كوشنر والمبعوث الخاص بالمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات، بلقاء مع رئيس حكومة الاحتلال بحضور السفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان، ينطوي على إشارة قوية بأن مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل الاحتلال قد تم تداوله بصورة تفصيلية، وفي إطار مساعي واشنطن لبلورة خطتها التي سميت ب»صفقة القرن» وهي تسمية تحمل من الضخامة الشيء الكثير، والخشية أن يؤدي الانطباع الذي تثيره الخطة إلى صدمة كبيرة حين تنجلي الأمور وليس ذلك ببعيد الأمد.
فمن ناحية شكلية، فإن صفقة سياسية من هذا النوع وبهذا الحجم، تتطلب أن يكون أصحابها في وضع يسمح لهم بأن يمارسوا ضغوطاً كبيرة على جانبي الصراع ، كي يقيض للخطة أن ترى النور. وتشهد خبرة العلاقات الأمريكية مع تل أبيب أن واشنطن ضغطت مرتين فقط خلال ستة عقود على حليفتها تل أبيب، مرة في العام 1956 حين ضغط الرئيس دوايت ايزنهاور على تل أبيب للانسحاب من قطاع غزة بعد العدوان الثلاثي على مصر. ومرة ثانية وبعد مضي 34 عاماً حين ضغط الرئيس بوش الأب على رئيس الوزراء اسحق شامير من أجل المشاركة في مفاوضات مدريد بمشاركة منظمة التحرير. وحين قبل شامير على مضض المشاركة قال قولته الشهيرة بأنه سيجري مفاوضات لا نهاية لها كي لا تصل إلى نتيجة ملموسة. لكن الدبلوماسية السرية الأوروبية والأمريكية رتبت بعدئذ مفاوضات أوسلو في أواخر العام 1992 ، وهو الاتفاق الذي تنصل منه بعدئذ ارييل شارون ثم يهود أولمرت وصولاً إلى بنيامين نتنياهو.
بمنطق الصفقات أهدى الرئيس ترامب القدس المحتلة إلى الاحتلال، على أمل أن يقبض ليونة كبيرة مقابل هذه الهدية الكبيرة. وتتحدث صحيفة هارتس ( الخميس 22 يونيو) عن ملامح للصفقة تتضمن مزيداً من الهدايا: بقاء القدس القديمة (قلب القدس الشرقية التي تضم المقدسات الإسلامية والمسيحية) تحت سيطرة الاحتلال، وبقاء المستوطنات الكبيرة حول القدس وفي مناطق أخرى، وبقاء منطقة الغور على الحدود مع الأردن تحت سلطة الاحتلال. وهذه الخطة هي في واقع الأمر ذات مضمون «إسرائيلي»، ويصعب إلى حد بعيد وصفها بأنها عرض من طرف ثالث. إذ إنها ترمي إلى إدامة الوضع القائم (الحكم الذاتي) مع تسميته دولة منزوعة السلاح والسيادة. والمشكلة أن الإدارة الأمريكية تبحث عن حل يمكن أن يرضى به حليفها في تل أبيب، وليس عن حل يستجيب للشرعية الدولية ولقرارات الأمم المتحدة ومواقف الأسرة الدولية.
من الممكن النظر إلى هذه الخطة باعتبارها اجتهاداً أولياً عشوائياً فاقداً للتماسك وللمنطق السياسي والقانوني، وبما يعكس النزعة التجريبية للرئيس ترامب. وضمن هذا التوصيف يمكن « التعامل» مع الخطة بمعنى النظر فيها وتحديد الأعطاب الكبيرة والفجوات الهائلة فيها، ودعوة الإدارة إلى مراجعة الموقف في ضوء المواقف العربية والأوروبية ومواقف بقية دول العالم، وعلى الأخص الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. ومن حق الجانب الفلسطيني في هذه المرحلة عدم التعامل مع الطرف الأمريكي إلى أن تنضج خطة جدية، تستجيب للمرجعيات الدولية وتتجنب عملية توليد كيان سياسي هجين ومشلول لن يقبل به أكثر أصحاب الأرض اعتدالاً ومرونة.
ومع افتراض أن ما سرّبته صحيفة «هارتس» قد لا يطابق الواقع، وأن الصيغة المنشورة قد تكون أقرب ما تكون إلى خطة «إسرائيلية» بأكثر مما هي خطة أمريكية، وأن النشر تم بدوافع سياسية محضة، فإن هذا الافتراض الذي لا يخلو من وجاهة كبيرة، يُملي أن يبلور الجانب الفلسطيني مع الأطراف العربية رؤية سياسية مشتركة للتعامل مع التحركات الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار أن أية خطة شوهاء تنعكس على الأطراف العربية ومنها على الخصوص الأردن، وذلك بما يتعلق بقضايا اللاجئين والقدس والحدود وهو ما حمل الملك عبد الله الثاني للتوجه إلى واشنطن الأربعاء الماضي إثر استقباله مبعوثين أمريكيين سياسيين وعسكريين.

mdrimawi@yahoo.com