السلام المستحيل.. رؤية «إسرائيلية»

25-06-2018
عاصم عبد الخالق

جولة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه، خلال الأسبوع الماضي في الشرق الأوسط، جددت الحديث عن قرب إطلاق ما بات يعرف ب «صفقة القرن» لتسوية القضية الفلسطينية، بنفس القدر الذي أعادت فيه إلى الذاكرة، القضية الفلسطينية نفسها، والتي كاد أن يطويها النسيان متوارية خلف أزمات وحروب المنطقة.
لا نعرف تفاصيل الصفقة الأمريكية المقترحة، ولكن نعرف جيداً أنه لا توجد أوهام لدى الشعوب العربية بإمكانية تحقيق السلام العادل والدائم والشامل، في ظل الظروف الدولية والإقليمية الحالية. لا نروّج للتشاؤم، ولكنها القراءة الواقعية لخريطة المنطقة وفي مقدمتها وجود حكومة يمينية متطرفة في «إسرائيل».
ما يستوقفنا في هذا الصدد، هو أن نجد في «إسرائيل» من يتبنّى نفس الاستنتاج؛ أي استحالة تحقيق السلام، دون أن يُلقى بتبعات ذلك على الجانب الفلسطيني. لا نقصد اليسار السياسي الذي يختلف مع الليكود في الآليات والتكتيكات فقط؛ بينما يتماهى في الواقع مع استراتيجيته، ويحمّل الفلسطينيون وحدهم مسؤولية فشل جهود السلام.
نتحدث عما نشرته صحيفة «هآرتس» قبل أيام تحت عنوان: «9 أسباب لفشل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي».
لا تنطلق الصحيفة من رؤية أيديولوجية ذات مرجعيات توراتية أسطورية كما هو حال الليكود. وتحاول بقدر ما يسمح به انتماؤها «الإسرائيلي» أن تكون محايدة. وأن تحمل الطرفين مناصفة مسؤولية ضياع السلام. لا نتفق مع كثير مما ذكرت، ولكن في الوقت نفسه لا يمكننا تجاهله، على الأقل بحكم كونه معبراً عن تيار «إسرائيلي» يمكن الاستماع إليه، وربما مناقشة ما يعرض.
خلاصة ما يمكن الخروج به من الأسباب التسعة لتبديد فرص السلام، هو أن مسؤولية ذلك يتحملها الجانبان. السبب الأول هو أن الطرفين يروجان نفس الأكاذيب طوال السنوات الماضية بلا تغيير. وتذكر الصحيفة نماذج «للأكاذيب» التي يرددها الطرفان، والتي كانت قد نشرت قائمة تفصيلية بها قبل أسابيع. منها: أرضنا تاريخية مقدسة، إنهم أسوأ من النازي، اللغة الوحيدة التي يفهمونها هي القوة، نحن فقط الضحايا وانتقامنا مشروع وانتقامهم إرهاب، سنجعلهم يعانون كما نعاني. الجانبان يرددان نفس الكلمات بحذافيرها.
السبب الثاني هو التظاهر بالصرامة. وكما تقول «هآرتس»، فإن القادة «الإسرائيليين» يتباهون علناً برفض التفاوض ومن ثم تندلع الحرب، وبعد أن يسقط الضحايا يتم توقيع الهدنة. ثالث الأسباب هو الدور الذي يلعبه المتطرفون على الجانين. فبمجرد التوصل إلى هدنة يسعون إلى خرقها طلباً للثأر.
وتشكل مواقع التواصل الاجتماعي من وجهة نظر الصحيفة السبب الرابع، الذي يجعل السلام مستحيلاً، على ضوء الدور التخريبي الذي تلعبه في شحن الكراهية وإفساد الاتصالات بين الجانبين. نفس هذه المواقع وعبر النشطاء السياسيين تلعب دوراً هداماً آخر، هو حشو عقول الجماهير بأفكار دينية حول الأرض المقدسة، وأحقية كل جانب فيها على أسس دينية، وهذا هو السبب الخامس لجعل السلام مستحيلاً.
أما السادس فهو الفساد المستشري تنظيمياً ومؤسسياً في هيكل الحكم على الجانبين. ولذلك يسعى القادة لإلهاء الشعبين بتوجيه الاتهامات دائماً إلى العدو، والتخويف منه. ولذلك ليس غريباً أن تجد العنصرية من يغذيها على الجانبين.
السبب السابع، هو حرص هؤلاء القادة على البقاء في مواقعهم، واستمرار نفس الظروف الحالية لأطول فترة ممكنة، ولهذا لا يعنيهم السلام في شي.
ثامن الأسباب هو استثمار كل طرف للقرارات الدولية على نحو مختلف. «الإسرائيليون» يرونها دليلاً على أن العالم كله ضدهم، والفلسطينيون يعتبرونها برهاناً على أن العالم معهم، وبالتالي يكون السباق على تغذية الروح القومية داخلياً.
أخيرا السبب التاسع هو مواقف الإدارة الأمريكية التي تزيد الأمور تعقيداً. لم تقل الصحيفة إنها منحازة ل«إسرائيل»، مكتفية بالقول: إن «إسرائيل» ترى أن تلك المواقف تسوغ لها التخلي عن أي التزامات.
وبالمثل، فإن الفلسطينيين يرون الانحياز الأمريكي مبرراً لعدم التقيد بأي ارتباط. والنتيجة: لا سلام حتى الآن، ولا أمل في تحقيقه قريباً.

assemka15@gmail.com