تَخدير الرَّأيَ العامّ حوارات

24-06-2018

د. خالد عايد الجنفاوي

يعني “الرأي العام” رأي أغلبية أعضاء المجتمع، وبخاصة في المجتمعات التي يوجد فيها نوع من حرية الرأي والتعبير وتباعاً ما يُمكن أن يُطلق عليه التفكير الجمعي، وتُمارسُ عملية تخدير الرأي العام وتعطيل الحس الاجتماعي من قِبَل جهات مختلفة ولأسباب متعددة، وهي عملية مختلفة نوعاً ما عن إشغال الرأي العام أو إلهائه بأمور تافهة وبقضايا مُفبركة، وحيث ستؤدي عملية التخدير في هذا السياق إلى فقدان عدد ليس بقليل من الافراد البالغين في المجتمع للقدرات التفكيرية والمنطقية المناسبة للتعامل بشكل طبيعي مع المشكلات العامة، وبعدم قدرتهم على اتخاذ مواقف متشابهة تجاه ما يحدث في مجتمعهم من ظواهر سلبية متكررة ومشكلات ستتناقض نتائجها المتوقعة مع المصلحة العامة،وستؤدي عواقبها إلى الاندثار التدريجي للقيم وللمبادئ المؤسسة للتفكير الجمعي (الرأي العام)، فالرأي العام المُصاب بالخدر سيعجز عن استيعاب مشكلاته الحقيقية، وسيفشل القائمون عليه مراراً في فهم طبيعة تناقضاتهم الاجتماعية والنفسية اللا منطقية، حتى تبدأ تترسخ في المجتمع وفي حياته اليومية ثقافة اللامبالاة وعدم الاكتراث واهمال الايفاء بالواجبات وبالمسؤوليات الاجتماعية الاساسية. كوكايين الرأي العام، إذا أردتم، يتمثل في تلك الجرعات المتواصلة من التتفيه المريض والتسخيف الشديد للقضايا العامة المصيرية، كضرورة مكافحة الفساد ومعالجة التخبط الاداري الكارثي، واصلاح التعليم، وتكريس قيم ومبادئ المواطنة الصالحة في البيئة الاجتماعية. وبالطبع، سيتم تخدير الرأي العام إذا توفرت مقوماته الاساسية في الحياة العامة، و بمعنى أدق، لا يُمكن تخدير الرأي العام ما لم يوجد أصلاً في النسيج الذهني والنفسي عند أغلبية أعضاء المجتمع البالغين. وتوجد جهات وقوى مختلفة في المجتمع لها المصلحة في تخدير الرأي العام وذلك بسبب انغماسها المتواصل في لعبة القوة وللحصول على قدر أكبر من السطوة، أو لتحقيق مصالح شخصية ضيقة، أو للاستفادة بشكل أكبر من الفساد الذي تمارسه بعض هذه الجهات والقوى المتناطحة، والتي سيختلف القائمون عليها على مصالحهم، ولكنهم سيتفقون على ضرورة تغييب الرأي العام وتعطيل قدرته على مكافحة الفساد. ويُمكن إفاقة الرأي العام المُخدّر بنزع الالفة عما هو سيz باطناً وصالح ظاهراً.
كاتب كويتي