زعزعة الجامعات

24-06-2018

تحدثت في مقال سابق نشر في هذه الصحيفة عن العلاقة بين الجامعات والثورة الصناعية الرابعة، وكيف أن أمام الجامعات طريقا وعرا وطويلا لتواكب التقنيات الجديدة، وعلى الرغم من ذلك فقد تم تطوير عدد من المبادرات على مر السنين في عدة دول من أجل دفع التعليم العالي للأمام، والتي تعتبر أمثلة واعدة على الطريق الصحيح الذي يمكن أن يسلكه التعليم العالي في السنوات المقبلة، ومن ذلك ما تم تطبيقه في بعض الجامعات والمعاهد الأمريكية، حيث يتم التعليم عن طريق مسابقات وتحديات ريادية قائمة على جمع الطلبة والمتخصصين من عدة تخصصات كالهندسة والعلوم والتقنية وإدارة الأعمال والتسويق تحت سقف واحد، ليضعوا حلولا لمشكلات حقيقية في المجتمع من حولهم، وبعض هذه الورش (المواد الدراسية بالمفهوم السائد) تكون مدعومة من شركات في القطاع الخاص تبحث عن حلول إبداعية لمشاكل وتحديات في خط الإنتاج لديها.

وفي زيارتي العلمية الأخيرة لبعض الجامعات المصرية ومراكز الابتكار في القاهرة وجدت نوعا من هذه الفلسفة التعليمية مطبقة لديهم وبالتحديد في مبادرة iHub التي يقوم عليها الدكتور المهندس ماجد غنيمة، حيث طبق هذا المفهوم في مشاريع التخرج لطلابه في كلية الهندسة وإدارة الأعمال بجامعة عين شمس، وتلقت هذه المبادرة دعما كبيرا في الفترة الأخيرة، وطبقت في العديد من الجامعات المصرية والعربية وحتى الأوروبية.

ومن بين الاستراتيجيات المثمرة الأخرى التي قد تساهم في دفع تعليمنا العالي للأمام تطوير هياكل أكاديمية متنوعة ومرنة تتخلل الهياكل الأكاديمية التقليدية الحالية، فعلى سبيل المثال يقدم معهد التصنيع بجامعة كامبريدج مجموعة شاملة من التخصصات في مجالات الإدارة والهندسة والتقنية والخدمات التي تتعلق بالتصنيع ليقدمها كبرنامج أكاديمي مستقل ينطلق من احتياج السوق ويعود إليه، كما نظمت جامعة كرانفيلد ببريطانيا هياكل إداراتها عبر مواضيع تركز على التخصص

مثل أنظمة النقل، والمحاصيل الزراعية، والطاقة من أجل توفير حلول واقعية للتحديات الهائلة التي تواجه المجتمع هناك في هذه المجالات، ثم يتم توفير الموارد البشرية والمالية والبنية التحتية بالطريقة التي تخدم هذا الهيكل.

ومن الاتجاهات التي تعزز تطوير التعليم العالي مبدأ التعلم مدى الحياة، والذي يتزايد في كل العالم يوما بعد يوم، حيث إن زمن الدرجات العلمية يبدو أنه شارف على الهلاك، فالتعليم لا يقتصر على 4 سنوات للحصول على البكالوريوس مثلا، والدرجات العلمية تفقد بريقها مع مرور الأيام، كما أن الزمن الذي يعمل فيه الشخص لدى شركة واحدة قد ينتهي قريبا، ولذلك فإن التعليم المستمر واكتساب المعارف والمهارات أصبحا ضرورة ملحة لأبناء الجيل القادم، ولا سيما مع التطور في الأبحاث وبزوغ فجر تخصصات جديدة بشكل سريع، كما أن انتشار منصات التعليم المفتوح Massive Open Online Course» MOOCs» سيعزز تحول التعليم العالي من ضيق الفصول الدراسية إلى فسحة التعليم عبر الانترنت، الأمر الذي يمثل تغيرا كبيرا في العملية التعليمية.

في جامعة ستانفورد يتحدثون عن مبادرة ستانفورد 2025، والتي تتلخص في منح درجة علمية للدراسة لإجمالي مدة 4 سنوات خلال 30 عاما بدلا من أربع سنوات متتالية. كما تم الإعلان مؤخرا في معهد ماساتشوستس للتقنية وبالتعاون مع يوداسيتي (Udacity) عن برنامج خاص للدراسات العليا لا يتطلب شهادة بكالوريوس، وفي جورجيا تيك تم الإعلان عن أول ماجستير يقدم أون لاين 100% في علوم الحاسب، حيث يمكن للطلبة الدراسة بدوام كامل بغض النظر عن موقعهم الجغرافي، وبالتوازي مع هذه الجهود فقد اتجهت بعض الشركات المهنية لتأسيس برامج خاصة أكاديمية تدريبية مهنية لتلبية احتياجاتها، ومنها جامعة ديلويت وأكاديمية ماكينزي.

هذه التغيرات التي تطرأ على التعليم العالي من المتوقع لها أن تستمر على نطاق واسع لما للتعليم العالي من قوة كبيرة في تغيير حياة الناس والعالم للأفضل، ومن أجل مواكبة هذا الدور في ظل الثورة الصناعية الرابعة يجب علينا زعزعة الجامعات Disruption وإعادة النظر في أدوارها. وعلى مسؤوليها إعادة تقديم التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، كل مهمة من هذه المهمات الثلاث للجامعات تشكل تحديا كبيرا، ويجب أن يواجه التعليم العالي وقادته كل هذه التحديات في وقت واحد.

@Fawaz1Saad