جبهة أوروبية ضد ترامب

24-06-2018
صادق ناشر

هل يستطيع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إقامة جبهة مناوئة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى لتحويل أوروبا بأكملها إلى مجرد تابع تنفذ ما يريده، أم يدخل في جلباب الرئيس الأكثر إثارة للجدل من كل أسلافه؟
لم تمر العلاقات الأمريكية الأوروبية بمثل هذا القدر من التوتر إلا في عهد ترامب، الذي نجح في زيادة خصومه وخسارة حلفائه، سواء كانوا في أوروبا، أو في روسيا، وصولاً إلى آسيا، حيث يبدو العالم غير راض عن الطريقة التي يدير بها ترامب دفة القيادة في الولايات المتحدة، بعدما استعدى الجميع، سواء بطريقة إدارته للأزمات القائمة في العالم، أو بوضع جدران من سوء التفاهم بينه وبين زعامات العالم، من بينهم ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ولعل الصورة التي نشرتها مختلف وسائل الإعلام ويظهر فيها هؤلاء يتناقشون مع ترامب بغضب في قمة الدول السبع التي عقدت مؤخراً في كندا دليل على ذلك.
ويرى مراقبون أن ماكرون يسعى، بالتنسيق مع زعامات أوروبية أخرى، إلى قيادة ما يمكن اعتبارها «جبهة أوروبية» مناوئة لترامب، من خلال حشد أكبر الرافضين لسياسة الولايات المتحدة التي بدأت تأخذ طابعاً استفزازياً للجميع، بخاصة أوروبا، فهذه السياسة تدفعها إلى إعادة تشكيل هذه الجبهة لمواجهة الغطرسة الأمريكية للحفاظ على استقلالية أوروبا، وعدم إلحاقها بالفلك الأمريكي، بعدما صارت واشنطن تتخلى عن حلفائها، إن لم يستجيبوا لخططها ورؤيتها للعالم.
الموقف الأوربي بدأ بالتبلور بعد سلسلة من الزيارات التي قام بها عدد من رؤساء القارة العجوز إلى الولايات المتحدة بعد انتخاب ترامب نهاية العام قبل الماضي، حيث بدا ترامب غير مكترث للمطالب الأوروبية بشأن قضايا عدة، تتعلق بالرسوم الجمركية على الصادرات الأوروبية والكندية والمكسيكية التي فرضها على الشركات الأجنبية، إضافة إلى الخلافات بشأن ملف «نووي إيران»، حيث تجاهل ترامب المطالب التي تقدم بها الأوروبيون لمعالجة الملف، ولم يكتف بذلك، بل شن هجوماً عاصفاً على قادة أوروبا، قائلاً إنهم فرضوا على مدى سنوات رسوماً جمركية ضخمة، ووضعوا عوائق وحواجز تجارية أخرى ضد السلع الأمريكية على نحو غير عادل ضد شركات بلاده.
ابتعاد الأوربيين بشكل كلي عن الولايات المتحدة لن يكون منطقياً، فالذي يجمع الجانبين أكثر مما يفرقهما، لكن من الواضح أن هناك عدم رضى لدى رؤساء الدول الأوروبية عن السياسة الأمريكية، بالذات منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لهذا سيحاولون تشكيل جبهة مضادة تكون قادرة على التعاطي مع التقلبات التي تميز سياسة الرجل، ووضعت العالم أمام مواجهات سياسية لم يعهدها من قبل، وسيكون الثلاثي (ماكرون ميركل وماي) في صلب الجبهة الأوروبية الجديدة لمواجهة ترامب، وهي جبهة سينضم إليها كثير من القادة الأوروبيين، الأقل تأثيراً بهدف تقليل الهيمنة الأمريكية على قارتهم، التي تعرف بأنها صانعة تاريخ يعود إلى قرون طويلة، بعكس الولايات المتحدة، التي لا يتجاوز تاريخها ال200 سنة.

sadeqnasher8@gmail.com