جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس محبرة وقلم

23-06-2018

مشعل عثمان السعيد

الأندلس ربيع الدنيا وزهرتها، ظلت خاضعة للعرب المسلمين قرابة الثمانية قرون، وأول من أوغل في هذه البلاد من القادة عقبة بن نافع الفهري الذي بنى مدينة القيروان، أما الفتح الأعظم للاندلس فيعود للأمير: موسى بن نصير، ومولاه طارق بن زياد، وآخر ملك عربي مسلم للأندلس أبو عبدالله الثاني عشر النصري وهو محمد الثاني الذي سلم آخر معاقل الأندلس غرناطة من 2 يناير 1527ميلادية للملك لفرد يناند وايزابيلا، والأندلس تحريف لكلمة وندلس وهي شبه الجزيرة الايبيرية، وتختلف الاندلس عن اندلسيا التي تضم حالياً ثمانية أقاليم في جنوب اسبانيا، وقد ازدهرت ازدهاراً كبيراً خلال سيطرة العرب عليها، وأعظم مدنها في أيامهم، غرناطة والحمراء، عاش الناس بها في رغد عيش ورفاهية وهناء، فقال الشعراء أجمل القصائد وأعذبها، وظهرت الموشحات الأندلسية، وهو فن شعري جديد مستحدث يختلف عن أنواع الشعر الغنائي العربي، وجمع كلمة موشح تواشيح أو موشحات، والوشاح اصلا عباءة مرصعة بالجواهر تشده المرأة على عاتقيها تتزين به، وقواني الموشحات متعددة على نظام معين، ولها جرس موسيقي جميل استحدثه أهل الأندلس.
يقول ابن خلدون: “الوشح ينظم أسماطاً اسماطاً، اغصانا اغصاناً، يكثرون من أعاريضها المختلفة ويسمون المتعدد منها بيتاً واحداً، ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان”، ومن أشهر شعراء الأندلس في هذا الفن لسان الدين بن الخطيب الذي يقول:
“جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما
في الكرى أو خلسة المختلس
إذ يقور الدهر أشتات المنى
ننقل الخطو على ما ترسم
زمرا بين فُرادى وثنا
مثلما يدعو الحجيج الموسم
والحيا قد جلل الروض سنا
فثغور الزهر فيه تبسم
وروى النعمان عن ماء السماء
كيف يروي مالك عن أنس
فكساه الحسن ثوباً معلماً
يزد هي منه بأبهى ملبس”.
هذه القصيدة من أشهر الموشحات الأندلسية، ولشهرتها نسى الناس الموشح الذي نسج منه، وهو قول ابن سهل الاسرائيلي:
“هل درى ظبي الحمى أن قد حمى
قلب صبّ حلّه عن مكنس
فهو في حر وخفق مثلما
لعبت ريح الصبا بالقبس”.
ولسان الدين بن الخطيب تحدثت عن هذه الزاوية. واذكركم بأنه أبوعبدالله محمد بن عبدالله بن سعيد بن علي بن أحمد السليماني المولود 713 هـ والمتوفى 776هـ، أما ابن سهل الاسرائيلي فهو: أبو اسحاق إبراهيم بن سهل الاشبيلي المولود عام 605 هـ من أسرة ذات أصول يهودية ثم اسلم، وهو شاعر كاتب اشبيلي المولد، اختلف إلى مجالس العلم والأدب، ثم عاش حياة اللهو والمتعة. وما يتصل بها من أشعار غزلية وخمريات وموشحات حتى صار شاعر اشبيلية بلا مدافع، ثم غادر اشبيلية إلى جزيرة منورقة لظروف سياسية، وظل بها قرابة العام، مدح خلال ذلك صاحب الجزيرة أبي عدنان بن حكم ثم توجه إلى سبته ومن أجمل ما قاله ابن الإسرائيلي:
“أذوق الهوى مر المطاعم علقما
واذكر من فيه اللمى فيطيب
تحن وتصبو كل عين لحسنه
كأن عيون الناس فيه قلوب”.
وله أيضاً أبيات مشهورة غناها بعض المطربين يقول فيها:
“سل في الظلام أخاك البدر عن سهري
تدري النجوم كما تدري الورى خبري
أبيت اهتف بالشكوى وأشرب من
دمعي وأنشق ريا ذكرك العطر
حتى أخيل أني شارب ثمل
بين الرياض وبين الكأس والوتر”
ومن أجمل هذه الأبيات قوله:
“بعض المحاسن يهوى بعضها طرباً
تأملوا كيف هام الغنج بالحور”.
لم يعمر ابن سهل الإسرائيلي طويلا فقد مات غريقاً سنة 649 هـ وعمره 44 عاماً، وأحببت ان اذكر لكم غريبة من الغرائب وجدها المسلمون عندما افتتحوا الأندلس، وهي مائدة النبي سليمان (عليه السلام)، وكان الذي وجدها موسى بن نصير فاتح الأندلس، ذكر أن رجلا جاءه وقال له: “ابعث معي رجالا كي ادلك على كنز عظيم”، فبعث موسى معه رجالاً فحفروا فوجدوا ما هالهم من اليواقيت والذهب والزبزجد والجواهر، ثم وجدوا مائدة سليمان (عليه السلام) التي كان يأكل عليها، وهي خليط من الذهب والفضة، وعليها ثلاثة أطواق لؤلؤ وجوهر لم ير الراؤون مثله، وهي في مدينة طليطلة من بلاد الأندلس، وقد سار بها موسى بن نصير إلى الخليفة الأموي السادس الوليد بن عبدالملك في دمشق.
وموسى بن نصير هذا مولود في خلافة عمر بن الخطاب عام 19 هـ. وتوفي في خلافة سليمان بن عبدالملك بحدود سنة 97 هـجري.
جف القلم ونشفت المحبرة، في آمان الله.
كاتب كويتي