أين أنت يا لاغوارديا؟ مختصر مفيد

21-06-2018

احمد الدواس

هذه قصة حقيقية، فقد كانت مدينة نيويورك الأميركية تعج بالجريمة والفساد والعاطلين عن العمل، ثم تولى أحدهم واسمه ” لاغوارديا” منصب العمدة فيها من العام 1934 حتى 1945. كان رجلاً ذا أمانة كبيرة وإخلاص واسع في عمله، وهناك رواية يذكرها أحد المسؤولين في بلدية نيويورك تقول إنه لما سرقت امرأة رغيفاً من الخبز حتى تطعم أسرتها وفُرضت عليها غرامة بعشرة دولارات، علمَ بالخبر لاغوارديا فقال عند الاجتماع بمعاونيه “إني أفرض غرامة نصف دولار على كل واحدٍ منكم في هذه الغرفة” فجمع مالاً أعطاه للقاضي سدد به غرامة تلك المرأة.
وبوظيفة العمدة كان لاغوارديا مسؤولا مخلصا ونزيها، عمل بشدة وحزم كأنه حاكم مُستبد، واستعان بخبرات ومواهب ذات كفاءة، واستطاع بإجراءاته الإصلاحية وبمساعدة الرئيس فرانكلين روزفلت ان يهزم الفساد خلال فترة الثلاثينات في أميركا، فقد أصلح أحوال المزارعين الفقراء والعمال العاطلين، وطالب بأن تكون هناك رقابة على البورصة الأميركية، فنجح بإنعاش مدينة نيويورك اقتصادياً، وأمر إدارة الإسكان أن تبني المساكن بتكلفة مخفضة، وأقام ملاعب عامة وحدائق، ومطارات، وأعاد تنظيم جهاز الشرطة، ومن أولوياته تعيين الموظف حسب جدارته مكان من تولى الوظيفة بالمحسوبية.
لقد كان لاغوارديا يكره عمل العصابات، وفي أول عمل له كعمدة طلب من رئيس الشرطة ان يقبض على زعيم العصابات المدعو” لاكي لوشيانو ” بأي تهمة كانت، ودخل لاغوارديا محلات القمار فحمل بنفسه مطرقة كبيرة حطم بها تلك الآلات التي نُقلت على متن زورق لإغراقها في البحر أمام كاميرات الصحافة والإعلام. أما لوتشيانو، زعيم العصابات، فأُعتقل وأودع رهن السجن ليقضي فيه ما بين 30 الى 50 سنة، ولم ينفك لاغوارديا يطلب المال من الحكومة لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية، واستطاع ان يقنع بعض الأجهزة المالية بإنفاق ملايين الدولارات على تطوير مدينة نيويورك، فشُيدت الطرق السريعة والجسور والأنفاق ما غير من شكل المدينة إلى الأحسن، و هكذا فقد مارس لاغوارديا عمله بشكل صارم كعمدة محنك صعب المراس، فقضى على آلة الفساد وأقام بنية أساسية حديثة للمدينة، وبفضله ساد الهدوء شوارع نيويورك في السنوات التالية بعد ان كانت نيويورك تعج بالجريمة، فاستطاع الناس المشي في الطرقات آمنين، فقد اختفت الجريمة بشتى أشكالها.
كان الرئيس روزفلت مٌعجباً بـ لاغوارديا وجهوده الشاقة، ولاغرو في ذلك فقد كان في الأصل دبلوماسياً أميركياً سابقاً ثم درس القانون بجامعة نيويورك ومارس مهنة المحاماة ثم أصبح نائباً للمدعي العام الأميركي واُنتخب عضواً بمجلس النواب، ويٌعتبر لاغوارديا من أفضل عمداء مدينة نيويورك، ومن بين أبرز الشخصيات في التاريخ الأميركي الحديث، ولتكريمه أصدرت إدارة البريد الأميركي في عام 1972 طابعاً يحمل صورته، وأنشئت نيويورك مطاراً باسمه تخليداً لذكراه، كماسُميّت شوارع باسمه.
هذه قصة رجل نـزيه أراد تغيير مدينـته نحو الأفضل، ومن المؤسف في مجال الأخلاق ان نضرب أمثلة عن سلوك الغير مع ان من المفترض في عالمـنا الإسلامي والعربي ان نقود العالم في القيم الأخلاقية والإنسانية، والسؤال الآن: هل يمكن تطبيق ماذكرناه في بلدنا الكويت؟ إن الشرطة في بلدنا لاتزال تبحث عن 40 ألف مطلوب عن قضايا مختلفة، وهناك جرائم السرقة والسطو بمختلف أشكالها، ومعدلات الفساد في الكويت بلغت حد الأسى والألم وهو ما يدعو الى التخوف على مستقبل البلاد والأجيال المقبلة، بينما حققت بعض الدول الآسيوية تقدماً باستخدام سلطة فرض القانون ولو بالقوة، وإذا تحجج البعض بأن ماذكرناه يناهض حقوق الإنسان فيؤخذ عن ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية السابق، قوله “عندما تصل الأمور للأمن القومي لا تسألني عن حقوق الإنسان “.
ذكرنا هذه السطور في وقت سابق لعل حكومتنا تعي وتتعظ، فنحن في أشد الحاجة الى مسؤول كويتي يتحرك ليطبق القانون بقوة، فقد ضاعت الذمم في البلاد، وانتشر العنف والفساد، وبعض النواب جهلـة، وظهرت النعرة القبلية والطائفية، مايهدد الوحدة الوطنية، والوضع الإقليمي خطير، فهل يوجد بينـنا مسؤول كبير ينقذنا ممانحن فيه ؟