إيران و”حماس” وديبلوماسية الجنائز! آخر الغصن
يوسف ناصر السويدان
منذ زمن محمود حجازي وسكران سكران وفاطمة برناوي، قبل أكثر من خمسين عاماً أي مع البدايات الأولى لتمظهر الخلاف الفلسطيني – الإسرائيلي في العام 1965، بدا واضحاً أن القيادات الفلسطينية (الأزلية) كانت منذ ذلك الوقت المبكر، تنحو منحاً حثيثاً وشغوفاً وخطراً، في تعجيلها بزيادة وتيرة تراكمية أعداد القتلى والأسرى من المسلحين الفلسطينيين والمدنيين الإسرائيليين، وذلك ما عبرّ عنه ياسر عرفات بوضوح وهو يخاطب مسلحيه خلال جولاته في قواعدهم، وفق ما ذكره عارفوه “الله هو إنتو لسه محدش استشهد منكم؟”! وما تجلّى أيضاً في تلك الاحتفالية اليومية بطقوسها المرافقة بالصور الملوّنة، بمقاسات وبوزات مختلفة وشعارات طفولية تبدأ من “لا سلطة فوق سلطتنا” ولا تنتهي عند “كل السلطة للمئاوية”! التي اتسخت بها جدران شوارع عمان ودمشق وبيروت في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وكان كل ذلك جزءاً من عدة الشغل لإدامة نواح وبكائية فلسطينية لا يراد لها أن تتوقف أو تنتهي على أيدي قيادات موغلة بالانتهازية والارتزاق على حساب “الكضية” ولا تتوانى عن بيع كل شيء في سوق صراع المصالح الاقليمية والدولية، عبر تحريكها البنادق من كتف إلى كتف، وعرضها للبيع الى من يدفع، في سوق رائجة هذه الايام على يد حركتي “حماس” و”الجهاد” الارهابيتين وتوابعهما وزبونهما الاكبر نظام ملالي طهران واذنابه في دمشق وبيروت وصنعاء، وغزة بشعارهم الهزلي “مرق بر لاميركا واسرائيل” الذي طالما ردح به محمود احمدي نجاد وزمرته وهم يهددون ويتوعدون اسرائيل بازالتها من الوجود.
لقد تباهى قادة النظام الفارسي، باحتلاله عواصم عربية وهو المسلح بقاذورات الطائفية والصواريخ البالستية ومشاريع الاسلحة النووية، الى جانب احلام العصافير لتدمير دولة اسرائيل، ثم التفرغ بعد ذلك لقيادة الغوغاء الدينية المتطرفة الى حدود فيينا!! بعد ان كادت ميليشياته الحوثية المجرمة التي اغدق الفرس عليها بسخاء من ترسانتهم العسكرية ان تحول اليمن الى هشيم، لولا صلابة الموقف السعودي وبسالته وتضحياته في تصديه للاطماع الحوثية والفارسية الغازية ودعمه الشرعية اليمنية، الى جانب تضميده جراح المواطنين اليمنين وتزويدهم بالاغاثة الغذائية والطبية، مما شكل جدارا صلبا للدفاع عن الحد الجنوبي لوطننا السعودي ولانجاز متطلبات استكمال استعادة الشرعية في اليمن التي تلوح هذه الايام بشائر انتصاراتها في محافظة الحديدة، بما تمثله من منعطف ستراتيجي مهم لهزيمة العملاء الحوثيين ومن يقف خلفهم من الغزاة الايرانيين وتحرير الحديدة واستعادتها من براثن الاحتلال الفارسي البغيض. ولم يعد في جعبة الحاوي الايراني وحركتي “حماس” و”الجهاد” الارهابيتين مزيد من الألاعيب، غير الاسطوانة المشروخة ذاتها واللعبة التي فشل لاعبوها في تحريكها مرة تلو اخرى، فبعد ان حشدوا الحشود على منحدرات الجولان قبالة بحيرة “طبرية” في العام 2011، لم يتمكنوا من التحرك اكثر من بضع خطوات راجفة قبل ان يتراجعوا هربا ويعودوا ادراجهم حيث اتوا وهم يتقيأون رائحة الدخان المسيل للدموع، بعد ان فقد الكثيرون منهم احذيتهم، والقوا ارضا بالمفاتيح الخشبية التي كانوا يلوحون بها… انها بلا شك “العودة المستحيلة” التي لا يمكن ان تتحقق لا كليا ولا جزئيا بمثل هذا الحشد الغوغائي، الذي تحركه الاطماع والمصالح الايرانية و”حزب الله” اللبناني الارهابي، ولا بأي حشد آخر غيره. فالحدود الدولية في عالم اليوم محمية بقوانين دولية ومحلية ناظمة وصارمة ومتصلة بحقوق سيادة الدول على اراضيها واجوائها ومياهها الاقليمية، لا يستخف بها سوى من فقد صوابه، وعليه ان يتحمل عادة دفع ثمن باهظ وفوري لهذا الاستخفاف الذي تكرر مرة اخرى بعد سبع سنوات عجاف، وفي قطاع غزة وعلى خط حدودها مع دولة اسرائيل منذ شهر مارس الماضي بتمويل ودفع وتحريك من العملاء الايرانيين واعوانهم من الطابور الخامس في القطاع، حيث اطلق ارهابيو حركة “حماس” على حشد الدروع البشرية تسمية ذات بهرجة سينمائية ومسرحية تتمازج فيها الدونكيشيوتية والكوميديا المرة بالمأساة وهي “مسيرة العودة الكبرى”!! فأي استهتار وديماغوجيا ومتاجرة واستخفاف بأرواح الناس وعقولهم اكثر من هذا؟ ورغم معرفة الجميع باضمحلال اي موازين للقوى بين الطرفين، فقد اطلق ارهابيو “حماس” اشارة البدء لجوقة “الدنابك” المطبلين وسط هستيريا العقل الجمعي بغيبوبته وعجزه التام عن ادراك حقائق الواقع المتحرك الماثل للعيان، وانشغلت الدروع البشرية ايما انشغال باحراق اعداد هائلة من الاطارات الملوثة للبيئة وتسيير الطائرات الورقية المقنبلة باتجاه الجانب الاسرائيلي من الحدود، فكانت النتائج المتوقعة لذلك السلوك الفوضوي، ولا شماتة في الموت، اكثر من 130 قتيلا وآلاف الجرحى جراء المحاولات المتكررة لعبور الارهاب الفارسي حدود دولة اسرائيل، مستخدما الدروع البشرية لحماس “حصان طروادة” في هذه المغامرات الصبيانية الفاشلة التي تعبر عن اخطر اشكال التدخل الايراني في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط.
وكالعادة لم يكن القتلى او الجرحى او في عموم الدروع البشرية أحدا من انجال ونجلات قادة وكوادر حركتي “حماس” و”الجهاد” الارهابيتين الذين كما يبدو غادروا “مضطرين” قطاع غزة طلبا “للعلم” من المهد الى اللحد في ارقى الجامعات العالمية وفي اجمل المنتجعات الاوروبية وبالطبع على حساب “القضية”!! وابناء غزة الادرى بشعابها يعرفونهم فردا فردا، وفي ذلك دلالة عميقة لها تداعياتها على مجمل المشهد الاستبدادي الحمساوي في قطاع غزة وهكذا لم يبق طعم ولا صيد سهل لديبلوماسية الجنائز سوى البائسين والمعترين المحبطين والجائعين العاطلين عن العمل من الشبان والشابات من ابناء فقراء قطاع غزة الذين أوقعهم حظهم العاثر في اشداق الفك الفارسي المسموم وعملائه الذين يسومونهم العذاب، ويتلاعب بمصائرهم ومستقبلهم غلاة التطرف الديني بعد ان يقبض هؤلاء الارهابيون اثمان كل ذلك من عصابات الحرس الثوري الايراني الى اعداء الحرية والشعوب.
لقد كان يمكن أن يصبح قطاع غزة “هونغ كونغ” او “سنغافورة” او “دبي” اخرى في الشرق الأوسط بعد انسحاب ارئيل شارون وجنوده ومستوطنيه انسحابا طوعيا وكاملا من القطاع في العام 2005 قبل ان تحكم حركة “حماس” الارهابية قبضتها القاسية عليه وتحوله الى سجن كبير ومقبرة جماعية.
كاتب سعودي