الكويت والزمن الجميل (2 من 3) قراءة بين السطور

19-06-2018

سعود السمكة

حين تأسست الكويت قبل أكثر من 400 سنة كان سكانها خليطاً من المجتمعات، دفعت بهم إلى هذه الأرض ظروف وعوامل طرد متعددة، منها طلب الأمن، ومنها موجات القحط التي أصابت بلدانهم في تلك الفترة حيث انتشرت المجاعة، وغيرها من الأسباب، إلا أن هذا الخليط المجتمعي الذي سكن أرض الكويت رغم أنها هي الأخرى تفتقر إلى الحد الأدنى من الأسباب المعيشية، إلا أنهم بعزمهم وارادتهم وايمانهم بقدرات بعضهم بعضاً وما يتمتعون به من بلاغات انسانية، استطاعوا ان يصنعوا بينهم رابطا انسانيا تمثل في حزمة من القيم السامية، فكانت الالفة والتسامح والرحمة وانكار الذات، وجسدوا في علاقتهم بعضا ببعض الحديث الشريف للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه”.
من خلال هذا الحديث الإنساني الجامع المانع الذي شكل لهم قاعدة الانطلاق بدأوا العمل، حكاما ومحكومين، فتشكلت بينهم فرق العمل ومنها من اتجهت لصناعة السفن (أو القلاليف) الذين امتهنوا صناعة سفن الغوص وسفن السفر، ومنها من اتجهت للبحر”الغوص” للبحث عن اللؤلؤ، وأخرى للسفر للتجارة، ومنها من اتجهت للبر للزراعة والرعي، ومن خلال هذا النشاط الدؤوب أحيوا الأرض، وابدعوا. وكان بينهم الأدباء والشعراء وأصحاب الصوت الغنائي الجميل، إلا أنهم في المجمل مجتمع محافظ بنى دورالعبادة، وأحيا شعائرالدين، وكانوا يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالتنفير والتحقير والازدراء، كما يفعل أصحاب الصحوة اليوم، لابارك الله في صحوتهم التي انحرفت بالدين والتدين!
استمر الكويتيون في توادهم وتراحمهم وتسامحهم في استنفارهم لطاقاتهم من اجل الرقي في بلدهم وهم يتطلعون لمن سبقهم للحاق بهم رغم تواضع مواردهم الى ان دخلوا عصر “النفط” حيث وظفوا هذه الثروة لابداعات العصر، فاتجهوا الى التعليم الحديث، فأنشئت المدارس على احسن طراز واستعانوا بالاشقاء العرب من المدرسين في شتى التخصصات العلمية من الجنسين، وشملت النهضة جميع الصعد حتى ارتفعت سارية الكويت كبلد سبق عصره رغم تواضعه في الجغرافيا وعدد السكان وحداثة دخوله الى عصر الحداثة، واصبح يكنى بعروس الخليج تعبيرا عما حقق من انجازات وابداعات حضارية في فترة زمنية قياسية!
فجأة تم اعلان الصحوة اللامباركة بقيادة قوى جاءت من خارج سباق المنظومة الكويتية… قوى ترتدي ثياباً ظاهرها دين وباطنها “تمكن”، هذه القوى بدأت راكبة على مبدأ “تمسكن حتى تتمكن” حيث عرضوا انفسهم كجماعة من الزاهدين المخلصين فقط لدين الله، ومتفرغين للدعوة من خلال النصيحة بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، مستغلين الطبيعة الطيبة المحافظة لاهل الكويت التي تبحث عن عمل الخير فوجدوا ضالتهم فاخذوا يشكلون لجانا متواضعة في المساجد اسموها لجان زكاة وصدقات، فاقبل عليهم الطيبون بنواياهم المخلصة لله تعالى فاغدقوا عليهم الاموال المخصصة للزكاة والصدقات باعتبار انهم سيودعونها في مصارفها الثمانية الشرعية، واستمر اهل الخير يرسلون اموال زكواتهم وصدقاتهم لهذه اللجان في المساجد حتى ضاقت بها ارصدتهم بالبنوك، فتقدموا للحكومة بطلب مصرف خاص بهم وبيت خاص للزكاة والصدقات لزوم استقطاب الطيبين ويكون تحت اشرافهم، لتحقيق الهدف وهو استغلال واستقطاب الطيبين خصوصا بعد ان اشتغلت
ماكينتهم الاعلامية من خلال المسجد ووسائل الاعلام الاخرى والاعلانات المدفوعة بانه مصرف يعمل وفق الشريعة الاسلامية اما الجهة المالية الاخرى فهي مصرف آخر تابع لتنظيم الاخوان المسلمين من حيث الادارة الفعلية تحت غطاء حكومي واصبح الاثنان يخدمان المشروع الاخواني السياسي!
وللحديث بقية