الغباء المقدس..!

12-06-2018

العنصرية ببساطة ودون كثير من التعقيدات هي أغبى معصية يمكن أن يرتكبها الكائن البشري، والعنصري غبي بالضرورة. لا يمكن أن تكون عنصريا دون مسحة من غباء ظاهر لا تخطئه العين. ولا أريد أن أسيء لجميع الأغبياء بالطبع، لأن كل عنصري غبي، وليس كل غبي عنصريا.

والعنصرية تعني ببساطة أن غبيا ما ـ أو مجموعة من الأغبياء ـ يتفاخرون بأشياء لم يكن لهم يد في وجودها، فلا أحد اختار لون بشرته ولا عرقه ولا اسم قبيلته. والأشياء التي لا جهد فيها هي ملعب العنصريين المفضل وساحتهم التي لا يباريهم فيها أحد.

بالطبع لا أتحدث عن حقيقة أن كل الكائنات البشرية ينحدرون جميعا ـ بيضهم وحمرهم وصفرهم وسمرهم وعربهم وعجمهم ـ من أب واحد وأم واحدة، لأن فكرة مثل هذه يصعب على عقل العنصري أن يتخيلها ويستوعبها. مع أنه يعرفها. وهذه من غرائب العقل العنصري.

العنصري لا يستطيع أن يتحرك في أي مساحة تفاضل أخرى تعتمد على الجهد الذاتي، لأن التفاضل بين الناس في الدنيا يكون في العمل والإنتاج والبراعة، والتفاضل في عمل الآخرة يكون في التقوى، لا يوجد خيار ثالث، فحين تكون مخلوقا بشريا فإنك تحصل على أفضلية بأحد هذين الأمرين فقط، إما أن تكون أفضل من غيرك بعمارتك الأرض بالعلم والعمل، أو أن تكون أفضل من غيرك لأنك مؤمن بأن الآخرة خير وأبقى وتعمل من أجل هذا الإيمان.

والعنصري هو أسوأ المخلوقات في هذين المجالين، ويكفيه سوءا وغباء أنه يرتكب المعصية الأولى، ليس مبدعا حتى في المعاصي. هذا إرثه الحقيقي والماضي الذي يعود إليه. وأعني معصية «أنا خير منه»!

لا أكتب متحدثا عن الحادثة الأخيرة ومقطع الفيديو الذي انتشر، لأنه من الواضح أن الشخص الذي صور المقطع شخص غير سوي، ولا يمكن أن يكون طبيعيا، لكني أتحدث عما دون ذلك من العنصريات الموجودة بالفعل، وعن المتفاخرين بما لم يصنعوا، وعن الذين يؤمنون أن الاسم أو اللقب يجعلهم أفضل من غيرهم عند الله وعند خلقه.

والأمر الذي يلفت النظر ـ قليلا ـ هو أن الدفاع عن القبيلة والقبائل كان عنيفا وقويا لأن العنصري تعرض للقبائل، وهذه عنصرية حتى في محاربة العنصرية، لو أنه تحدث ـ على سبيل المثال ـ عن الوافدين أو غير القبليين لربما مر كلامه بسلام وكأنه لم يقل شيئا. وهذا هو مربط الأشياء، فإما أن نكون ضد العنصرية بشكل واضح، أو نكون عنصريين حتى في تعريف العنصرية ومحاربتها.

وعلى أي حال..

في الآخرة ستكون الأمور أكثر وضوحا بلا شك ولا ريب، لكن حتى يأتي يوم الدين فإن القوانين الصارمة في الدنيا تؤدب المتفلتين على خلق الله، الذين خلقهم من تراب ثم إليه يعودون. هؤلاء يحتاجون لقوانين تذكرهم ـ رغما عنهم ـ بهذه الحقيقة البسيطة، لا أكثر ولا أقل.

@agrni