استراتيجية العزم وبشائر المستقبل

10-06-2018

إن دراسة التغير السريع في عالمنا يفرض قراءة جادة للمستقبل، هذا المستقبل قد يحمل لنا من التحديات والصعوبات ما يفوق إدراكنا، ولكيلا ننتظر مفاجآت تعطل تنميتنا أو تهدد أمننا أو تبدد أحلامنا علينا العمل باستراتيجيات مدروسة ومقننة تتوافق مع متطلبات المرحلة التي نسعى للوصول إليها.

وهذا ما تسعى إليه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من خلال طرح رؤية مشتركة للتكامل اقتصاديا وتنمويا وعسكريا. هذا المشروع الضخم انطلق تحت مسمى «استراتيجية العزم»، والذي جاء كثمرة انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي برئاسة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

هذا المجلس لم يأت وليد اللحظة، بل جاء وفق عمل مدروس انطلق الأربعاء 17 مايو 2017 بقصر السلام في جدة، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، واستمر العمل عليه 12 شهرا، وشارك فيه 350 مسؤولا من البلدين من 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية، إلى أن جاء الإعلان عن 20 اتفاقية و44 مشروعا مشتركا في ثلاثة محاور رئيسة، هي: المحور الاقتصادي، والمحور البشري والمعرفي، والمحور السياسي والأمني والعسكري.

إن هذه الاستراتيجية تشمل قطاعات المصارف والاستثمار والصناعة والطاقة والنفط والغاز والتعليم والسياحة، وصولا إلى قطاع الخدمات اللوجستية والصناعات العسكرية. كل هذه المشاريع الاستراتيجية وضع لها قادة البلدين الشقيقين إطارا زمنيا محددا بـ 60 شهرا لتنفيذها.

مجلس التنسيق السعودي الإماراتي يعني شراكة كونفيدرالية بين دولتين هما الأثقل سياسيا وإقليميا في المنطقة، وهذا التعاون والتفاهم العميق بين قيادتي البلدين يعكس قوة القواسم المشتركة إزاء التحديات الإقليمية والمتغيرات الدولية، مما يجعل التنسيق السعودي الإماراتي عنوان المرحلة الجديدة في العالم العربي، مع الالتزام بعدم الإخلال بالتعاون القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي التي تعاني مع الأسف تباينا في مواقفها، كما يقدم أنموذجا يحتذى به للتعاون الثنائي بين الدول لتحقيق التكامل بين مختلف القطاعات والمجالات من خلال شراكة حقيقية إما بين دول المجلس أو مع دول عربية أخرى، خاصة أن التطورات الإقليمية والدولية تجعل التعاون الاستراتيجي السعودي الإماراتي مطلبا ضروريا من أجل حماية المنطقة والدفاع عنها، وتعزيز الاستقرار والأمان والسلام فيها، كما يشكل دعم لمنظومة مجلس التعاون، وإضافة قوية لمكانة منطقة الخليج والعالم العربي السياسية والاقتصادية والعسكرية.

المجلس ينطلق من الروابط الدينية والتاريخية والاجتماعية والثقافية بين الدولتين، ويبين حرص السعودية والإمارات على توطيد علاقاتهما الأخوية، كما يهدف إلى تعزيز العلاقات المستدامة بين البلدين في المجالات كافة، ولعل إبراز الموروث الاجتماعي والثقافي والتاريخي المشترك بين الشعبين السعودي والإماراتي بشكل مناسب، وعرضه بصورة واضحة أمام شعوب العالم، يعودان بالنفع على الدولتين، وبالفوائد الملموسة سياسيا وإعلاميا واقتصاديا.

المبادرات النوعية التي سيتم إطلاقها تحت مظلة المجلس ستنعكس إيجابا على توسيع فرص ومجالات العمل في البلدين، وتوليد فرص اقتصادية جديدة، مما يسهم في رفع معدلات نمو ناتجهما الإجمالي، ويحول التحديات القائمة إلى فرص حقيقية تعود بالنفع عليهما، كمبادرات التعاون في مجال الإنتاج الصناعي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة للقطاعات الناشئة وذات الأولوية مثل قطاعات الحديد والألمنيوم والصناعات التحويلية، أو مبادرات التعاون في قطاعات التعليم العام والفني والعالي والتعاون البحثي المشترك من خلال تبادل الوفود والخبرات والتجارب والتدريب والمنح الدراسية ونتائج البحوث، أو مبادرات التعاون في شؤون الشباب لتمكينهم من مواجهة التحديات المستقبلية، والمشاركة الفعالة في وضع خطط ومبادرات إنمائية واجتماعية، وتوفير برامج وخدمات لمساندة رواد الأعمال الشباب للعمل على إقامة المشاريع الخاصة بهم.

على الصعيد السعودي يحقق التنسيق والتكامل بين الدولتين فرصة تاريخية وقفزة نوعية للاستفادة من تجربة الإمارات الرائدة في مجال التحول الاقتصادي والسياحي، وعاملا محفزا لجذب الاستثمارات الأجنبية واستقطابها، وتعزيز الاستثمارات الداخلية وتنميتها، وهذا من متطلبات المرحلة الحالية لتحقيق رؤية 2030، «استراتيجية العزم» تحول تاريخي ننتظره بفارغ الصبر.