قصّة طائر العقل والمغارة

26-05-2018
عبد اللطيف الزبيدي

لماذا كان قدماؤنا أفضل منا في تقبل الأفكار؟ نحن متخلّفون في هذا حتى قياساً على الماضين. «يا عيب الشوم». بمجرّد أن ينطق أحد بكلام غير معلوك مألوف، يشهر السامعون السيوف، لأنهم تربّوا على ضرب الدفوف، لما هو مصنّف مرصوص مرصوف، راكد ساكن غير عصوف.
يكفي أن في ميراثنا أبا العلاء المعري. محال أن يكون أحد قد اكتشف المفارقة الطريفة في اسم شاعرنا. أبو العلاء كنيته، والمعرّي نسبته إلى معرّة النعمان. رسم كاريكاتوري يصوّر غبن العقل في هذه الأمّة. السر في اللغة الآرامية. العلاء العلياء والذروة، والعقل والنهى أهل لذلك. أمّا المعرة فهي تعريب كلمة «مْعارا» (بسكون الميم والألف الأخيرة بمثابة أل التعريف) وتعني المغارة في الآرامية، وفي سوريا العشرات من المغارات المعروفة بأسمائها. تكتب «مْعَرا» وتنطق «مْعارا». العقل العربي طائر العلاء المحبوس ظلماً في كهف الظلام. من هو ذلك المخيخ الذي وصف طائر قمّة حرية الفكر والرأي والتعبير في تاريخنا وثقافتنا بأنه زنديق؟ لكن النعت أصاب لغوياً، فإضافة التشديد إلى «مْعارا» لتصبح في العربية «معرّة» (لا تشديد في الآرامية)، جعل عار تقييد الفكر وشل حرية حركة العقل لازمة ملزمة.
من الذي خلق للدماغ مئة مليار خلية عصبية، بينها مئة تريليون من التشابكات والاتصالات؟ أكبر علماء العلوم العصبية حائرون أمام هذا الكون المدمج في 1.3كج. اضرب تلك المئة ألف مليار في أربعمئة مليون عربي، وتأمل مأساة العقل العربي، ومن أين وكيف اجتاحنا فيروس هدم مناعتنا العقلية. المهزلة هي أن تكبيل العقل في مغارات الأوهام المتخلفة، يحول دون حرية البحث العلمي في جميع مناحي الحياة والوجود، بالتالي يحجب تقدم العلوم الموصلة إلى معرفة حقائق الكون، فيسدّ أبواب بناء الإيمان على العلم المتدرج نحو أقرب المسالك إلى حقائق الخلق. ألا يعني هذا التشوّه في التفكير عملاً مضاداً للدين ومقاصده؟ ألا نحتاج إلى علماء فيزياء فلكية في مستوى ستيفن هوكينج وهوبرت ريفز وجان بيير لومينيه، ليفسروا لنا الآية: «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق»(العنكبوت 20)؟ من خلق الفيزياء والكيمياء ثم الحمض النووي لتنطلق عجلة تطوّر الكائنات الحية؟ لم يكن للقدامى مثل هذه العلوم حتى نتسمّر في قرونهم. لكن ميراثنا ملهم: «لا تعلّموا أبناءكم ما عُلّمتم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم».
لزوم ما يلزم: النتيجة العقلانية: الله خلق الكون والحياة بالفيزياء، فكيف ندرك عظمة إبداعه بغيرها؟

abuzzabaed@gmail.com