الانقسام الأمريكي الأوروبي

26-05-2018
صادق ناشر

لم يعد خافياً الانقسام في المواقف الأمريكية والأوروبية حيال ملفات كثيرة، بعضها سياسي والآخر اقتصادي، فالجانبان صارا يُفصحان بشكل صريح ومن دون مجاملات دبلوماسية، عن جملة من الخلافات، بعضها آني، مثل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني وتداعياته، وبعضها قديم، مثل ما يخص الجوانب التجارية التي كانت موجودة في عهد رؤساء سابقين للولايات المتحدة، إلا أنها لم تبرز إلا في الفترة الأخيرة، وتنذر بحرب تجارية بين أمريكا وأوروبا.
يشعر المراقب أن شيئاً ما تغير في العلاقات الأمريكية الأوروبية، فقد كانت هذه العلاقات في فترات سابقة تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية، لكنها لم تكن تظهر على السطح، كما هو الحال اليوم في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي استضاف عدداً من الزعماء الأوروبيين في البيت الأبيض، أبرزهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، وبدت المواقف بينهم متناقضة، ولم يبد الارتياح على الزائرين في ظل شعورهم بالرغبة الأمريكية بالانفراد بالحلول المتصلة بالأزمات المختلفة في العالم.
ولعل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران في الثامن من الشهر الجاري، يعد المثال الأبرز لحال الانقسام بين الجانبين، ويعود ذلك إلى أن أوروبا لها وجهة نظر مختلفة عن تلك التي لدى الجانب الأمريكي، الذي يرى أن الاتفاق لم يحقق ما كان مأمولاً منه، ويصفه بأنه أسوأ اتفاق مرّ على الولايات المتحدة، متهماً الإدارة السابقة للرئيس باراك أوباما، بالتنازل لصالح إيران وتجاهل مصالح أمريكا.
أما الأوروبيون فإنهم ما زالوا، حتى الآن على الأقل، متمسكين بالاتفاق مع إيران، ورؤيتهم تستند إلى أن الانسحاب من الاتفاق سيكون وبالاً على الشركات الأوروبية التي عقدت مع الحكومة الإيرانية صفقات بمليارات الدولارات، وتخشى أن يكون الانسحاب سبباً في خسارة هذه الصفقات، وهي ما بدأت بالظهور، بعدما أعلنت شركات أوروبية عدة، انسحابها من إيران، على رأسها شركة «توتال» النفطية.
مع ذلك، فإن المراقبين يتساءلون إن كان الخلاف الأوروبي الأمريكي بشأن إيران يمكن أن يستمر خلال الفترة القليلة المقبلة، أم إن العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين ستعود كما كانت سابقاً، ولن يسمحا لأي ظرف أن يعمل على ضربها، فمصالح الأوروبيين مع أمريكا أكبر وأوسع من مصالحهم مع إيران، واستمرار الخلافات حول الاتفاق النووي يمكن أن يزيد من الجفاء بين الجانبين، لهذا جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي أشار إلى أن واشنطن لا تزال راغبة في العمل مع شركائها الأوروبيين بشكل وثيق، للتوصل إلى اتفاق جديد لمواجهة سلوك إيران، الذي وصفه ب«المؤذي».
من المؤكد أن الجانبين الأمريكي والأوروبي، لن يسمحا بتدهور علاقتهما بسبب ملفات إيران وكوريا الشمالية، وسياسة الهجرة التي ينتهجها دونالد ترامب، لكن الانقسام العلني في مواقفهما يؤكد وجود نظرتين مختلفتين لشؤون العالم، وما لم تحدث مقاربة في الفهم بشأنها، فإن العلاقات ستنتقل إلى مستوى آخر من التوتر، ما ينعكس على كل القضايا في منطقة الشرق الأوسط؛ بل والعالم بأسره.

sadeqnasher8@gmail.com