ماذا بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي؟

26-05-2018
د. ناجي صادق شراب

السؤال المطروح على الطاولة السياسية هو: ما مصير الاتفاق النووي مع إيران؛ بعد انسحاب الولايات المتحدة منه؟ وما خيارات إيران ؟ وخيارات الدول التي ما زالت تتمسك بالاتفاق؛ وهي: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا.؟ قبل الإجابة على هذه التساؤلات، لا بد من تأكيد أن الولايات المتحدة تشكل الدولة المحورية أو الأساس في الاتفاق، بعبارة أخرى إن انسحاب الولايات المتحدة يحمل في طياته إلغاء الاتفاق والبحث عن صيغة جديدة. ومن ناحية أخرى لم يقتصر القرار على الانسحاب؛ بل فرض عقوبات جديدة مشددة، ولهذه العقوبات تداعياتها على الدول الأخرى وشركاتها.
وفي هذا السياق لا يمكن النظر إلى إعلان الانسحاب على أنه مجرد قرار آحادي،أو أنه قد يقتصر على العلاقات الثنائية بين الدولتين، ومن هنا خطورة القرار. ومن ناحية أخرى، أي قرارات مستقبلية قد تقوم بها الولايات المتحدة إزاء إيران وخصوصاً في الجانب العسكري لن تكون الدول الأخرى بمنأى عنها.
على مستوى الولايات المتحدة فقد حسمت خيارها الأول بالانسحاب، والثاني بفرض عقوبات جديدة؛ بهدف خلق المتاعب الداخلية أمام النظام الإيراني وصولاً إلى السعي لتغيير النظام من خلال إضعافه وتقوية المعارضة. إلا أن هذا الخيار ليس مضموناً، ويبقى الخيار العسكري المفتوح وهو أحد أهم الخيارات الأمريكية، وهنا يمكن أن تعطي واشنطن الضوء الأخضر ل«إسرائيل» للعمل على ضرب التواجد العسكري الإيراني في سوريا، ومن غير المستبعد ضرب بعض المفاعلات النووية في قلب إيران.
ويبقى الخيار الأخير وهو العودة لاتفاق جديد يتجاوز وقف كل القدرات النووية وعمليات التخصيب؛ ليشمل حظر الأسلحة الصاروخية الباليستية.
تتلخص الاستراتيجيات الأمريكية في فرض اتفاق أفضل بشروط تفضيلية أو اتفاق يشمل كافة القدرات العسكرية؛ أي اتفاق جديد أكثر مثالية من منظور أمريكي، أي الاتفاق الذي تفرض أمريكا شروطه، أو العمل على تغيير النظام، أو الخيار العسكري بالوكالة، أو العمل على تبني استراتيجية الانكفاء الذاتي وتفعيل دور الدول المتحالفة معها؛ بتزويدها بمزيد من السلاح، والعمل بالدفع على صيغة أمنية إقليميه تكون «إسرائيل» طرفاً فيها ضد إيران!.
لكن هذه الخيارات تواجهها العديد من الصعاب، أبرزها أن إيران لديها القدرة على بناء تحالفات جديدة، والقدرة على الصمود والحفاظ على نظامها بالقوة العسكرية، وتعويض العقوبات بشبكة علاقاتها المتعددة، وهذه العقوبات هي التي يمكن أن تحدد خيارات إيران؛ حيث من المحتمل استبعاد الخيار العسكري والمواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة؛ لأن من شأن هذا الخيار أن يفقدها الكثير من قدراتها، ويعرض نظامها للانهيار. والمفاضلة هنا بالنسبة لإيران هو الحفاظ على بقاء نظامها. ومن الخيارات التي قد تلجأ إليها استعدادها للتفاوض على اتفاق جديد مع المساومة على مناطق النفوذ، التي تحتفظ بها في المنطقة كالعراق وسوريا واليمن، وهذا السيناريو هو الأكثر احتمالية. أما خيار التهديد بتوسيع أنشطتها النووية واستئنافها قد يعود عليها بمزيد من العقوبات، والدفع بالدول الأخرى للانسحاب من الاتفاق؛ ولذلك يبقى خيار التفاوض من جديد على تعديل بعض بنود الاتفاق القائم هو الأكثر عقلانية وواقعية لجميع الأطراف. وهذا هو الخيار الذي يمكن أن تسعى إليه بقية الدول الأخرى، وخصوصاً الدول الأوروبية التي عارضت القرار الأمريكي واعتبرته متسرعاً، ودوافعها تختلف عن الدوافع الأمريكية، وتربطها علاقات اقتصادية وتجارية مهمة مع إيران، وأكثر التزاماً باستقرار المنطقة وعدم الدخول في مواجهات عسكرية.
وعليه يمكن أن تلعب الدول الأوروبية دوراً مؤثراً في الضغط باتجاه تعديل شروط الاتفاق والوصول لحلول وسط ترضي الجانب الأمريكي. وعموماً نحن أمام مرحلة جديدة في العلاقات الإقليمية والدولية، وسيترتب على الانسحاب الأمريكي بروز خيرطة سياسية جديدة تقوم على مناطق النفوذ، التي تراعى فيها مصالح الدول الإقليمية كإيران، فإيران يتم التعامل معها أو هي تقدم نفسها على أنها قد أصبحت فعلياً دولة نووية؛ ولذلك ستكون عملية التفاوض الجديدة أكثر صعوبة، مع بروز تحالفات جديدة تربط إيران بغيرها من الدول، ويبقى أن لهذا القرار تداعيات خطرة على مستقبل المنطقة العربية.

drnagishurrab@gmail.com