الجريمة والعقاب.. ولكن!

26-05-2018
محمد نور الدين

أخيراً تقدمت «وزارة» الخارجية والمغتربين الفلسطينية بإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية حول الجرائم المستمرة التي ترتكبها «إسرائيل» بحق الشعب الفلسطيني.
واجتمع الوزير رياض المالكي لهذا الغرض بالمدعية العامة للمحكمة الجنائية فاتو بن سودا يوم الثلاثاء الماضي وقدم لها ملفاً كاملاً عن جرائم «إسرائيل» وخصوصاً تلك الناتجة عن منظومة الاستيطان. وأعارت المذكرة انتباه المحكمة بأن معيار العدالة الدولية مرتبط بتطبيقها على العدو «الإسرائيلي» لمنع مواصلة جرائمه.
كانت القوى الحامية لدويلة الاحتلال تحرّم على الفلسطيني حتى مجرد تقديم طلب لاعتبار فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وليس مجرد عضو مراقب فيها. وكانت تستكثر عليهم أن تكون فلسطين عضواً حتى في منظمة اليونسكو.
حسناً فعلت السلطة الفلسطينية في التجرؤ على هذه الخطوة في الاتجاه الصحيح. فالمقاومة للمشروع «الإسرائيلي» الاستيطاني في جوهره، يجب أن تشمل كل المستويات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية.
الملف الفلسطيني للأسف ممتلئ بعشرات العناوين المأساوية التي يندى لها جبين الإنسانية.
فملف الأسرى، وكل معتقل فلسطيني هو أسير وليس بمعتقل، ممتلئ بآلاف وعشرات آلاف السجناء لمدد طويلة وبالأطفال والنساء الأمهات وغير الأمهات والتعذيب الوحشي. ومع ذلك لا يتطور هذا الملف ولا يطرأ عليه أي تحسن لجهة الإفراج عنهم.
وملف العمالة الفلسطينية في المستوطنات «الإسرائيلية» في الضفة مسألة لا يمكن الاستمرار فيها على هذا النحو،أي أن يكون أبناؤنا وعمالنا العرب هم الذين يساهمون ببناء المستوطنات وزراعة الأراضي فيها. طبعاً الأمور ليست بهذه السهولة من التنظير على عاملات وعمال يكدحون لتحصيل مجرد لقمة خبز لا تقيهم سوى من خطر الموت جوعاً. لكن يتوجب مقاربة المسألة بطريقة جديدة وجدية ومختلفة تمنعنا من أن نكون خدماً عند سادة مستعمرين.
ملف المواد التي تُبنى فيها المستوطنات أكثر من خطير. فوفقاً لبعض المعلومات فإن قسماً كبيراً منها يستورد من تركيا. وكان حريّاً بتركيا مثلاً أن تشترط على «الإسرائيليين» ألا تستخدم هذه المواد في البناء في الضفة الغربية، رغم أن مثل هذا الشرط لا يغير من واقع مساهمة تركيا في تدعيم الوجود «الإسرائيلي» على الأرض الفلسطينية ليس فقط اليوم بل منذ لحظة تأسيس «إسرائيل» عام 1948.
كذلك ملف منتجات المستوطنات من مواد غذائية وحتى صناعية وتسويقها وبيعها داخل فلسطين وفي الأسواق الأوروبية وضرورة مواجهة هذا الموضوع على الصعد المحلية والدولية.
ما يواجهه الشعب الفلسطيني اليوم كارثي بكل معنى الكلمة. وإذا كانت الحلول التي يمكن أن يلجأ إليها، خارج اللجوء إلى مقاومة مدنية ومسلحة، ضيقة جداً، فإن التعويل على مد العرب يد المساعدة هو الوحيد المتبقي.
فجامعة الدول العربية مطالبة، مهما بلغ العجز بها، بوضع مشروع طارئ ومستعجل يعكس صحوة ضمير وهبّة وجدان وأصالة انتماء، بتقديم المساعدة الكاملة الشاملة للشعب الفلسطيني المظلوم من كل الأطراف الأعداء والقريبين والمحروم من كل مقومات العيش الشريف والكريم.
وهذا أضعف الإيمان المطلوب من جامعة الدول العربية. ولو قمنا بحساب بسيط قد لا يتطلب الأمر بضعة مليارات من الدولارات.
يجب ألا تفلت «إسرائيل» من عقاب المؤسسات القضائية الدولية، ويجب إشعارها دائما بأنها غير مطلقة اليدين وأن محاسبتها واردة وممكنة. لكن كل إجراءات العدالة الدولية لا تحل أبداً مكان العدالة الحقيقية التي يجب أن تحمي الشعب الفلسطيني وتعاقب العدو. وهي عدالة المقاومة والكفاح المسلح الذي هو اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو والتي تجبره على التراجع، وهي الوسيلة التي أظهرت وأثبتت تجارب الشعوب أنها الوحيدة القادرة على إحقاق الحق وإرساء العدالة. ولنا من التقرير المشهور لمجلس حقوق الإنسان قبل سنوات والذي دان الإرهاب «الإسرائيلي» لكن واضعيه اضطروا تحت الضغط لسحبه كأنه لم يكن، أبلغ درس على أن العدالة تأتي فقط من طريق النضال والتضحيات.