هل تعرف الماء؟

23-05-2018
عبد اللطيف الزبيدي

أليس طريفاً أننا ننام ملء جفوننا عن شوارد الماء، ويحار في كنه أسراره الذين حازوا نوبل في الفيزياء؟ سنة 2005 «السنة العالمية للفيزياء»، وضع «المركز الوطني للبحث العلمي» الفرنسي، الماء على رأس أكبر عشرة ألغاز كونية. أهم جزيء في الكون، الأبسط والأشد تعقيداً.
الحائرون، علماء طبقات الأرض، المناخ والفيزياء الفلكية، يرونه أعجب سائل يمكن تخيله، فهو بطل كل التصنيفات الخارجة عن القواعد المألوفة. غريب، فالماء حين يتصلب تخف كثافته، حين يتجمد يطفو على المحيطات مثل مكعب الثلج في الكأس. بينما المواد تصبح أثقل حين تتصلب. لم ير أحد عمود حديد يطفو على سطح مصهر للحديد. حتى قبل تكوّن الثلج، يكون الماء، تحت أربع درجات مئوية، أقل كثافة من الماء الساخن.
ثلاث ذرات: ذرّتا هيدروجين، تعودان إلى بدايات الانفجار العظيم، وذرة أوكسجين صنعت في المستعرات العظيمة، في مليار درجة مئوية. كيف صار الأوكسجين يمثل هبة الحياة وهو سامّ؟ لهذا يحتاج الجسم إلى الكثير من مضادّات الأكسدة. الماء غريب له ثلاث حالات مختلفة، تجده ثلجاً ومائعاً وبخاراً. هذا نادر واستثنائي، ومنه كل شيء حيّ. أوج أعاجيبه حين يرينا قدرته على اكتساء سبعة عشر نوعاً من الثلج: الثلج الذي ينزل من السحاب كالعهن المنفوش، الجليد كالزجاج ذي الرقائق الهشة، الجليد المتصلب كالصخر، جبل الجليد الذي تحطمت عليه تايتانيك، مكعبات الثلاجة، الحبات الغزلية: «وعضّت على العنّاب بالبَرَد»... سحر كيميائي أن يستطيع جسم سائل خالص واحد تلوين مظهره بكل تلك الفنون التشكيلية المتباينة. أشكاله تحت المجهر بدائع. جزيئات الماء لها إحساس بالمسؤولية وضمير، فحين ترى الانضباط خطراً على الحياة، ترفض الأوامر الكيميائية والفيزيائية المعهودة. في أربعين تحت الصفر، لا تقبل الانتظام فتمنع التجمد في المحيطات، فيظل الماء سائلاً، وإلاّ هلكت مخلوقات البحار. بل إن أخلاقها تقضي برفع قدرتها على إذابة الغازات كلما اشتدت البرودة، ما يسمح للأسماك وسائر البحريات بالتنفس. هكذا الحفاظ على البيئة. «برافو»، فهي ترفض الخضوع لدكتاتورية البرد وسلطته القامعة.
أحد المفاتيح في هذه الأسرار: العلاقة بين ذرات الهيدروجين التي تعطي الماء خصائصه الفريدة. جزيء الماء يقيم أواصر مع أربعة جزيئات مجاورة بفضل الهيدروجين، ثم يتكسر الرباعي ليتشكل بطريقة أخرى. هذه العملية تحدث كل «بيكوثانية»، واحد من الألف من المليار من الثانية. بسيطة، يصبح لمح البصر كليل العاشق! (المادة العلمية من مجلة «العلم والحياة» الفرنسية).
لزوم ما يلزم: النتيجة التأمّلية: 70% من جسمك ماء، من الانفجار العظيم والمستعرات العظمى. هل عرفت هويتك؟

abuzzabaed@gmail.com