مصطلحات أقل استفزازاً

23-05-2018
خيري منصور

سُئل دبلوماسي في حوار متلفز عن وساطة سياسية قامت بها بلاده وفشلت، فأجاب قائلاً: لكي نكون دقيقين في الإجابات يجب أن تكون الأسئلة دقيقة، وذلك تبعاً لنظرية «التوسير» الشهيرة حول إعادة صياغة الأسئلة، وأخيراً قال: إن هناك فارقاً بين الفشل وعدم النجاح، ونحن لم نفشل لكننا لم نحقق نجاحاً حتى الآن، فالفشل إغلاق للأبواب، أما عدم النجاح فهو إخفاق في محاولات قابلة للتكرار وقد تنجح حين تتوفر لها الظروف. ما يستوقفنا في مثل هذا النمط من التفكير هو تجاوزه للثنائيات وعدم التعامل مع القضايا كما لو أنها مدرجة في خانتين فقط، هما الأسود والأبيض، وما من ظلال بينهما.
وهناك فترات تنتقل فيها عدوى فائض العنف والتوتر إلى الخطابَين الإعلامي والسياسي، وقد حدث هذا مراراً في ربيع الحرب الباردة ثم انطفأ في خريفها، ولغتنا العربية إمبراطورية بلا حدود في مجازاتها ومترادفاتها، بحيث تتيح للناطقين بها ما لا تتيحه أية لغة أخرى، وهذا ما اعترف به مستشرقون بارزون منهم جاك بيرك وأندريه مايكل وآخرون !
وليس المقصود بذلك تمييع الخطاب أو تعويمه لإمساك العصا من الوسط، بل المقصود هو اختيار مصطلحات تفي بالغرض وتتناغم مع السياق والمناسبة، لكنها أقل عنفاً وتوتراً كي لا تتحول الكلمات إلى لكمات وتسقط القضايا التي يدور حولها السجال لصالح ذاته، وبهاجس تبرئة الذات وإدانة الآخر !
والمسألة أبعد مما يسمى تدوير الزوايا الحادة، وأبعد من الدبلوماسية أيضاً ومعجمها الناعم، لهذا أجاب ذلك الدبلوماسي على من يحاوره حين قال له إن إجاباته دبلوماسية بقوله: الأمر ليس كذلك، وما يجب الاحتكام إليه أخيراً هو المنطق وليس الدبلوماسية التي تترك الأبواب مواربة، والمصطلحات الأقل توتراً وعنفاً في لغتنا كان يمكن لها أن تكون ضمانة منطقية، وتحول دون الانزلاق إلى تعابير لا تلائم المقام، وهذا ما أطلق عليه ت. س. إليوت في مقالة شهيرة «غياب المعادل الموضوعي» وكان ذلك تعليقاً منه على مسرحية هاملت لشكسبير التي صاحبها من الحزن ما يفيض كثيراً عن الحقيقة !

khairi_mansour@yahoo.com