هارون الرشيد

23-05-2018
مارلين سلوم

في الأيام الأولى من انطلاق العروض الرمضانية، تتحسس خطواتك في المتابعة. تطل على كل القنوات علّك تجد الأفضل، وتحاول أن تستشف من الحلقات طبيعة كل عمل ومدى امتلاكه القدرة والمقومات الكفيلة بجذبك إليه، لتكمل معه الرحلة دون ندم.
أكثر ما يرغبه المشاهد من المسلسلات، ليس ضمان ملء الوقت بما يسليه، بل ملء عقله بمعلومات ومفردات ومصطلحات تتوافق مع الحياة ودروسها، بجانب أسره عاطفياً، فيتفاعل وينتظر يومياً الأحداث بشوق كبير، ويشغل باله بالشخصيات ومصيرها.
«البرومو» الترويجي للمسلسلات يغرينا بلا شك، لكن الدعاية وحدها لا تكفي، حتى وإن قيل لنا إن عملاً ما هو الأعلى تكلفة في التاريخ. وحدها الشاشة كفيلة بكشف المضمون والمجهود وكل ما يدور في كواليس الدراما، ومدى الجودة في الصناعة، وإن كانت متقنة ومشغولة بحب، أم «بتجارة» فقط. و«هارون الرشيد» الذي تم تصويره في الإمارات وتعرضه قناة «الشارقة»، بالإضافة إلى قنوات عربية أخرى، من المسلسلات التي استطاعت أن تأسر الجمهور من الحلقة الأولى.
هو مسلسل مصنوع بإتقان وجودة وحب. كل تفاصيله تؤكد أنه لم «يتم سلقه» على استعجال، ولا السعي من خلاله إلى تقليد هذا أو ذاك. والحق يقال، إن هذا المسلسل يجعلنا نفخر بالدراما العربية التي تستطيع التفوق على ذاتها وعلى أي دراما غير عربية، خصوصاً التركية، متى أراد صنّاعها ذلك.
لن ندخل في تفاصيل الأحداث، إنما من الطبيعي أن تقدّم الدراما التاريخ مغلفاً بتفاصيل من الخيال لا تسيء له (أو للشخصيات) ولا تشوّهه أو تضلل المشاهدين. «هارون الرشيد» ما زال وفياً حتى اللحظة للتاريخ وأحداثه، مقدماً لنا مجموعة كبيرة من «الأبطال»، انطلاقاً من السيناريو والحوار الذي كتبه عثمان جحا إلى الإخراج لعبد الباري أبو الخير والذي أصبح متخصصاً في الدراما التاريخية، إلى الماكياج والأزياء والديكور وأماكن التصوير في أبوظبي، وصولاً إلى النجوم الذين يصل بعضهم إلى التألق في أداء الشخصية، وسنتناولهم بالتفصيل لاحقاً.
من الحلقة الأولى يشدك العمل بسلاسته والصورة الجميلة والحوار الرائع، والذي تستخرج منه عبراً وعبارات تصب في إطار الحِكَم التي تصلح لأي وقت وزمن. مثل أقوال الرشيد: «أنا أشارك بصياغة قدري وصنعه»، و«الحكم قيد والقيد مفتاحه بين الناس»، و«حياة القصور ستودي بك إلى الوحدة».
التشويق موجود، والعمل ممتع، وإن كان التصوير محصوراً في أماكن داخلية محددة، فطبيعة هذه الأعمال وتكلفتها العالية في الديكور وأجواء وروح التاريخ القديم - عام 140 ه - تفرض تحرك الكاميرا ضمن هذه المساحة لا أكثر. علماً أن اختيار المكان موفق جداً، ومناسب لتلك الحقبة.

marlynsalloum@gmail.com