قلق أوروبي أمام روسيا

23-05-2018
مفتاح شعيب

عندما يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى روسيا، في زيارة رسمية، ستكون أكبر أولوياته البحث عن النقاط المشتركة مع نظيره فلاديمير بوتين. كما سيحرص على تجنب إثارة أية مواضيع خلافية، من أجل إيجاد تجانس أوروبي روسي في المواقف إزاء الأزمات المطروحة على الساحة الدولية، للحيلولة دون أن تتدهور إحداها أو جميعها إلى الأسوأ.
زيارة ماكرون إلى سانت بطرسبرغ تختلف ظروفها عن زيارة بوتين إلى باريس العام الماضي، ففي هذه المرحلة هناك جلبة وضوضاء قادمة من واشنطن أثارت انزعاج الأوروبيين، وتحديداً الرئيس الفرنسي الذي عاد خائباً من زيارته إلى الولايات المتحدة قبل أيام بعدما أخفق في ثني الرئيس دونالد ترامب عن عدم الانسحاب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران والتراجع عن نقل سفارته إلى القدس المحتلة. وخلف الكواليس، هناك ما يشير إلى أزمة متعددة الرؤوس بين أوروبا والولايات المتحدة حول القضايا العالمية والتجارة والاختلاف الواضح في المقاربات حول القيم الدولية التي تعمل إدارة ترامب على دهسها والتنصل منها. وفي هذا الإطار، ستكون القمة الفرنسية الروسية، وأكثر ما يخشاه ماكرون هو أن يكون حظه منها أسوأ من حظه في واشنطن، فالخلافات بين الجانبين ليست قليلة، وبوتين ليس هيناً أو ضعيفاً. ويبدو الأوروبيون بحاجة كبيرة إلى تلطيف الأجواء مع روسيا حتى تمر «عواصف» ترامب إلى غير رجعة. وبالنظر إلى ردود الفعل المختلفة على قرارات البيت الأبيض الأخيرة، هناك رغبة لبناء جبهة دولية لمواجهة السياسات الأمريكية الجديدة، ولكن هذه الجبهة لا يمكن أن تنجح طالما استمر «التعالي» الأوروبي على روسيا في كثير من القضايا، سواء كان ذلك بخصوص الأزمة السورية أو أوكرانيا أو الملفات الاقتصادية العالقة بين الطرفين. ومن أكثر ما يشغل الأوروبيين في الوقت الحالي غموض الموقف الروسي، في ظل توقعات تشير إلى أن بوتين «يعمل في صمت» للرد على سياسات ترامب في الوقت المناسب، ولكنه يريد أن يختبر قدرة أوروبا على الصمود في وجه الحليف الأمريكي «المشاغب».
لن يغير لقاء ماكرون وبوتين الكثير، ولن يساعد على فهم التقلبات الحاصلة في العالم، فقبل أسبوع اجتمع الرئيس الروسي بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ولم يسفر الاجتماع عن أي شيء خارج عن المألوف بحسب المعلن، أما ما خفي فهو أهم وأجدر بالكشف والمعرفة. وبدافع القلق، توحي مواقف عديدة بأن بعض القادة الأوروبيين بدأوا يفكرون كثيراً في المستقبل، ودفعتهم التطورات الأخيرة إلى الاقتناع بضرورة الاحتفاظ بروسيا داخل أوروبا بدل أن تنسحب شرقاً إلى آسيا وتلتحم بالصين لتشكلا معاً قوة لا تقهر. وبعد ما رأى الأوروبيون التقلب الأمريكي الذي أحدثه ترامب، لم يعد لديهم من سبب لمعاداة روسيا والقبول بأن يظلوا، كدأبهم لعقود، مطية لرغبات واشنطن في الهيمنة على باقي الدول.
مرة أخرى، يأتي دليل بأن العالم يتغير وينقلب رأساً على عقب، ولكن قل من ينتبه. وبعيداً عن الضجيج المتعالي من وراء الأطلسي، هناك معادلات جديدة تبنى لتحديد العلاقات الدولية ونفوذ القوى المختلفة. صحيح أن الطريق سيكون طويلاً، ولكن التغيير أصبح حقيقة ثابتة، وقد بدأت في رسم معالم الغد بقطع النظر عن المخالفين.

chouaibmeftah@gmail.com