شاهدة من أهلها

23-05-2018
جيل ريتشاردسون

الآن وقد قتلت «إسرائيل» عشرات من المحتجّين الفلسطينيين في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، هل يمكن أن نفهم شيئاً ما بوضوح؟ إن بوسعك أن تنتقد «إسرائيل» دون أن تكون معادياً للسامية.
لقد نشأتُ يهودية، في بيئة داعمة ل«إسرائيل» بقوة. ولكني لا أؤيّد الطريقة التي تُعامل بها «إسرائيل» الفلسطينيين، ولا سيّما عندما تذبح الناس العزل كما فعلتْ الأسبوع الماضي.
أرسلني والداي إلى مدرسة دينية يهودية من مدارس يوم الأحد، لمدة 13 عاماً، أتممتُها باحتفال بلوغ سن الرشد، وما إلى ذلك. وأنا لا أعتبر نفسي يهودية حقّاً بعد أن كبرت، ولكن قضاء الطفولة بكاملها ضِمْنَ تربية دينية لايزال يترك بصماته عليّ.
يدور نصف الأعياد اليهودية حول موضوع مفاده أن بعض الشعوب اضطهدتنا، أو حاولت أن تبيدنا، فقط لكوننا يهوداً، وأننا عانيْنا ولكننا بقينا على قيد الحياة.
كان يقال لنا المرّةَ تلْو الأخرى، إنك عندما تقف صامتاً بينما تجري إساءة معاملة أحدٍ ما سواءٌ كان طفلاً يتعرض للمضايقة في باحة مدرسة، أو شعباً بأكمله يعاني الإبادة الجماعية فأنت جزء من المشكلة.
إن كان ثمة درْسٌ واحدٌ تعلّمْتُه من نشأتي كيهودية، فهو هذا.
وللأسف الشديد، فإن ذلك الدرس، يمكن أن يكون متعارضاً مع درس آخر، نتعلمه عادةً أثناء نشأتنا، وهو: أن «إسرائيل» هي وطننا. وبصرف النظر عمَّنْ أنت، إذا كنتَ يهودياً، عندما تذهب إلى «إسرائيل»، فأنت في وطنك.
وللأسف، لم يُشرْ أحدٌ في كنيسِنا (معبدنا) على الإطلاق، إلى أن الفلسطينيين ينبغي أن تكون لهم حقوق، أو حتى تساءَل عمّا إذا كانت «إسرائيل» تعاملهم بشكل عادل.
وقد أقنعتُ نفسي بأن «إسرائيل» كانت أرضاً لليهود، وأن اليهود عندما عادوا لاسترجاعها في القرن العشرين، كان الفلسطينيون في الطريق. ولذلك يجب أن يرحلوا. (وأنهم كانوا إرهابيين).
وفي سن الثامنة عشرة، ذهبتُ إلى «إسرائيل». ولكنني لم أشعر بأن «إسرائيل» وطني. بدت خليطاً من ثقافة شرق أوسطية وأوروبية. شعرت بأنني أجنبية هناك، بقدْر ما كنت أجنبية في إيطاليا، أو اليونان أو مصر، عندما زرتُ تلك الأماكن.
لقد شاهدت صورة مصغّرة عن مدى السوء الذي يعامَل به الفلسطينيون من قِبل الحكومة «الإسرائيلية». ورأيت كذلك أن الفلسطينيين شعبٌ أيضاً، يحاول أن يعيش حياته.
للمرة الأولى تشككتُ في ما كان قد قيل لي عن «إسرائيل». إن مبدئي القائم على معارضة الظلم، يعني أنني يجب أن أؤيّد حقوق الفلسطينيين، حتى لو كان ذلك يعني الاختلاف مع الحكومة «الإسرائيلية».
ظننتُ أن كوني يهودية كان مرادفاً لدعم «إسرائيل»، ولذا قررتُ في مرحلة ما، أنني لم أعُد يهودية.
وبالنظر إلى الوراء، رأيت أنه كان من الخطأ المساواة بين اليهودية وبين الدعم التام للحكومة «الإسرائيلية». وأنا أعرف الآن، أنه لو كان لي الخيار، لكان بإمكاني أن أكون يهودية، وأبقى في الوقت ذاته، منتقِدة للحكومة «الإسرائيلية».
إن العديد من «الإسرائيليين» يعارضون معاملة حكومتهم للفلسطينيين. وقد صوّت «الإسرائيليون» ذوو الميول اليسارية ضدّ رئيس الوزراء نتنياهو، وهم يعارضون قرار ترامب التحريضي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وينطبق الشيء ذاته على ملايين اليهود هنا في الولايات المتحدة.
بطبيعة الحال، يحتج الفلسطينيون. فقد أصبحت حياة الفلسطينيين أسوأ مما كانت عليه عند زيارتي، ولا سيّما في غزة. البعض يُسمّون غزة «سجناً في الهواء الطلق» ويقارنون معاملة «إسرائيل» للفلسطينيين بالفصل العنصري في جنوب إفريقيا. إذا كانت «إسرائيل» ترى مشكلة في احتجاج الفلسطينيين، فإن تحسين تلك الظروف، أكثر منطقيةً من قتل الناس.
إنّ وصفَ كل مَن ينتقد سياسات الحكومة «الإسرائيلية» وأفعالها بأنه «معادٍ للسامية» قد يكون طريقة مفيدة لإسكات المعارضة، ولكنه ليس صحيحاً على الإطلاق.
«إسرائيل» ليست الديانة اليهودية. يمكننا، بل يجب علينا، أن نجري نقاشاً صحّياً حول سياسات «إسرائيل» وسياسة الولايات المتحدة إزاء «إسرائيل»، تماماً مثلما نناقش أي شيء آخر في السياسة.

كاتبة زاوية صحفية أمريكية يهودية، تحضّر لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة وسكونسن ماديسون. موقع: «كاونتر بانش»