ازدواجية الغرب في توصيفه للإرهاب

23-05-2018
عاطف الغمري

إذا كان العالم اليوم، يحتاج إلى اتفاق على نظام للأمن الجماعي، يحول دون عودة الحرب الباردة، أو الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة، فإن العالم العربي ليس أقل احتياجاً لنظام أمن جماعي، خاصة منذ بدأت تحركات أمريكية مدفوعة بالأسس التي وضعتها استراتيجية الأمن القومي الجديدة، التي أعلنت في 20 سبتمبر/أيلول 2002، لتكون منطقتنا العربية هي جغرافيا خط المواجهة الجديد، بناء على توصيفهم لها بأنها منبع الإرهاب، وهو ما جعل التعامل معها على هذا النحو، على قمة أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ولما كانت السياسات الخارجية لبعض الدول الغربية تسير في مسارين متناقضين، وهي تحاول خلق توافق مصطنع بين الحرب على الإرهاب حين يتهددها، وبين علامات تاريخية طويلة تربطها وما زالت بمنظمات إرهابية دولية تضع نفسها في خدمتها، فإننا نرى ما يخرج من هذه الدول من تضارب في المواقف، نتيجة لتلك الازدواجية.
ولازلنا نشهد التناقضات في مواقف وسياسات هذه الدول، خاصة تجاه نظرتها للإرهاب.
من هنا تجد الدعوة لنظام أمن جماعي إقليمي تشويشا وتشكيكا فيها، لأسباب تخص هذه الدول، وبالتالي يتأكد بشكل لا لبس فيه احتياج العالم العربي لنظام جماعي عربي، فالعرب جميعهم يقفون على خط مواجهة واحدة وفي مواجهة منظمات الإرهاب، والخطط الرامية إلى هدم منظومة الدولة الوطنية، وهذان الجانبان تتداخل فيهما أهداف منظمات الإرهاب، مع دول أجنبية.
كانت البدايات الحديثة لذلك قد ظهرت في عهد جورج بوش الابن، الذي أعلن صراحة في مؤتمر ب«معهد أمريكان إنتربرايز»، قبل حوالي عشرة أيام من غزو العراق، أن ما سيحدث في العراق سيكون نموذجاً يحتذى في بقية دول المنطقة. وليس خافياً على أحد ما جرى للعراق بعد الغزو مباشرة، من تمزيق للدولة، وتواجد الإرهاب بقوة، ورفع شعارات هدم الدولة الوطنية، وهو ما لم يبرأ منه العراق حتى الآن. ورافق هذه التحركات إطلاق نظرية «الفوضى الخلاقة» (الهدامة)، وهنا استشهد بما سبق أن نطق به هنري كيسنجر فى صيغة تساؤل: هل نحن أوجدنا نظاماً عالمياً عن طريق الفوضى؟.
وكانت «الفوضى الخلاقة» تخدم هدفين معاً: إفساح مساحة شاسعة لتواجد الإرهاب وتمدده في المنطقة، وتصاعد الشعارات المعادية لمفهوم الدولة الوطنية، وتفتيتها إلى كيانات متصارعة.
وظهر واضحاً تأكيد مبدأ الحرب بالوكالة الذي لجأت إليه قوى خارجية تستخدم أطرافاً من مليشيات من أجانب مرتزقة، وجماعات محلية من دول المنطقة، تسير في ركابها وتنفذ لها خططاً سبق أن وضعتها بشأن عالمنا العربي. وهنا لا يغيب عنا ما جرى تداوله في عام 2003، في مؤتمر عقد بوزارة الدفاع الأمريكية وتحدث فيه الحاضرون عن أن العراق سيكون بمثابة هدف تكتيكي، ومن بعده السعودية هدفاً استراتيجياً، ثم يأتي الدور على مصر لتكون هي الجائزة الكبرى، في هذا المسار الاستراتيجي.
وعلى هذا نجد أن الإدارة التقليدية للصراعات كانت تركز على إشعال حروب بين دول، لكن هذا التخطيط تطور إلى حروب داخل الدول، وهو أسلوب لم يكن ممكناً تنفيذه، إلا باستخدام من أسموهم بالوكلاء war by proxy، في تطور دفعت إليه ظروف داخلية في الدول التي كانت تدير النظام الدولي، ومن أهمها معارضة الرأي العام للتورط في حروب خارجية تخسر فيها الدولة أبناءها الذين يسقطون قتلى أو جرحى، بالإضافة إلى استلهام قواعد حرب الجيل الرابع 4GW، والتي يعرفها الخبراء في أمريكا بأن ضمن أهدافها إشعال الفوضى في الدولة المستهدفة لتتحول إلى دولة فاشلة Failed State
، يسهل زعزعة استقرارها، وأن حرب الجيل الرابع لا يمكن إشعالها من دون وكلاء محليين.
وكما هو مسجل في محاضرة البروفسور الأمريكي ماكس مايوراينك أمام «معهد الأمن القومي الإسرائيلي»، من أن عناصر حرب الجيل الرابع تتمثل في استثمار النشاط الإرهابي، ووجود قاعدة إرهابية متعددة الجنسيات داخل الدولة المستهدفة، تمارس تكتيكات حرب العصابات. وبهذه الطريقة تتجنب القوى الخارجية التورط مباشرة في هذه الحروب.